اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
عندما تناهى إلى مسمعي خبر إقامة ندوة وفعاليات تاريخ الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله وجعل الجنّة مثواه، تحت عنوان (الفهد.. وروح القيادة) بمركز الرياض الدولي للمعارض والمؤتمرات، في العاصمة الرياض، التي يحلو لي دائماً أن أسميها عاصمة المجد والسؤدد، وهي لعمري كذلك، برعاية كريمة من سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، سمو الوفاء.. ووفاء السمو ومعلم الناس الوفاء، حفظه الله ورعاه، وأدام على طريق الخير خطاه، بمصاحبة عدة نشاطات، كالمحاضرات ومعرض للصور النادرة التي ينشر بعضها لأول مرة، إضافة إلى أفلام وثائقية ومقاطع فيديو، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن محمد، حفيد الفهد، أقول.. عندما تناهي إلى مسمعي هذا الخبر السعيد، تداعى أمامي شريط طويل عريض من صور لا نهاية لها، تحكي كلها سيرة هذا البطل العبقري الفذ، الذي جنّد حياته الحافلة بالبذل والعطاء لخدمتنا وراحتنا، وتنمية بلادنا، وتطوير مقدساتنا وحمايتها، وصيانة استقلالنا وتعزيز اللحمة الوطنية بيننا، ومناصرة العرب والمسلمين، والسعي لخير الناس أجمعين، شأنه في ذلك شأن جميع قادتنا السابقين، حتى والد الجميع المؤسس الباني، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، طيّب الله ثراه، صقر الجزيرة وداهية العرب في زمانه، الذي أدهشت عبقريته الفذّة النادرة، أباطرة العالم وسلاطينه وملوكه وأمراءه وحتى جنرالاته، فألفوا الكتب ونشروا الأبحاث، اعتزازاً بعلاقتهم به، وتوثيقاً لإنجازاته الحضارية ومساهماته المشهودة، في تحقيق خير الإنسانية، وعرفاناً وامتناناً لما وجدوه فيه من شخصية آسرة، وبطولة جامعة، ونفس كبيرة، وهمة عالية، وصفات نبيلة، وخلال طيبة كريمة، وغير هذا من المبادئ الراسخة التي تأسست عليها دولته المرتكزة على كتاب الله وسنّة رسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، لنشر الخير بين الناس أجمعين من كل جنس ولون ودين.. شخصية عبقرية صادقة فريدة، لخصها الفهد في كلمات موجزات وافيات: (حين نبحث في تاريخ الملك عبدالعزيز، ينبغي أن نذكر بأمانة العالم وصدق المؤرخ، أنه كان يستشعر في مسعاه واجباً دينياً وخلقياً، كان يمثله سلوكه الشخصي منذ نعومة أظفاره، في طهارته وورعه وتقاه، فقد كان رحمه الله، قوي الصلة بالله عزّ وجل، لا ينام الليل إلا قليله، وكان يقضي أكثره راكعاً أو ساجداً يطلب العون والنصر من الله في كل أمر من أمورهوكان يؤمن إيماناً مطلقاً بأنه لا يتوافر للعقيدة عزّ وانتشار وخلود، إلا في ظل كيان آمن ومطمئن، يقوم على رعايتها وتبليغها والدعوة إليها والدفاع عنها. لقد عرّف نفسه، رحمه الله في إحدى خطبه قائلاً: إنني أعمل جهد الطاقة في سبيل إعلاء كلمة الدين، وإحلال عقيدة السلف الصالح، لذلك فإنني مبشر أدعو لدين الإسلام ونشره). ملخصاً منهج والده في تأسيس الدولة على عقيدة التوحيد، شريعة الإسلام، حمل لواء الدعوة الإسلامية ونشرها، توفير بيئة عامة صحية صالحة، تحقيق الوحدة الإيمانية، الأخذ بأسباب التقدم، تحقيق الشورى، خدمة الحرمين الشريفين والدفاع عن الدين والمقدسات والوطن والمواطنين والدولة. ولهذا لم تعرف بلادنا عبر تاريخها المجيد، ولن تعرف إلى الأبد إن شاء الله، ما يعرف بـ(الفراغ الدستوري) الذي تعاني منه بلدان كثيرة حولنا اليوم، مما أدخلها في دوامة فوضى عارمة، مزّقت أوصالها وعطلت عجلة التنمية فيها، على تواضعها، فخفتت كل أصوات العقل فيها، ولم يعد صوت يعلو غير قعقعة السلاح.
أما عندنا نحن هنا في دولة عبدالعزيز، فأجد نفسي في غنيً تام عن التحليل والتأويل، وأحيل القارئ الكريم فقط إلى ما حدث يوم الجمعة 3/4/1436هـ، الموافق 23/1/2015م، من ملحمة فريدة، عندما ترجّل حكيم الأمّة عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، واعتلى صهوة الجواد الفارس الهمام، خادم الحرمين الشريفين سيدي الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله ورعاه. ويلخص الفهد هذا التقليد المهيب في سلاسة انتقال السلطة في بلاد السلم والأمن والأمان في قوله: (ظلّ الحاكم والعلماء في المملكة العربية السعودية، ولا يزالون، متآزرين متعاونين، وظلّ الشعب، ولا يزال وسيبقى أبداً إن شاء الله، ملتفاً حول قيادته، متعاوناً معها، مطيعاً لها، بموجب البيعة الشرعية التي تتم بين الحاكم والمحكوم).
ولا شك أن هذا كله تحقق بفضل الله سبحانه وتعالى أولاً، ثم من بعد بسياسة الباب والقلب المفتوحين، وتطبيق العدالة والشورى وفق شريعة الإسلام السمحة، وإتاحة الفرصة للجميع، لاسيما الشباب الذين صعد نجمهم في هذا العهد الواعد الميمون المبارك، إذ تربعوا تحت قبّة مجلس الوزراء، على رأس وزارات سيادية وخدمية مهمة.
أقول.. أخذ كل واحد من أبناء عبدالعزيز البررة، بحظ وافر من تلك القيم والمثل الحميدة، فكان كل منهم خير خلف لخير سلف، حقاً وصدقاً، سيراً على نهج المؤسس الباني في حمل الراية وقيادة غافلة الخير القاصدة، وتحمل مسؤولية هذه الأمانة العظيمة والرسالة الخالدة إلى الأبد بإذن الله، التي تنشد تحقيق الخير ونفع الناس حيثما كانوا.
فأعادت تلك الصور الحافلة إلى الأذهان، إحسان قائد فذ، كان بيننا طوداً شامخاً، قضى عمره المبارك كله، منذ شب عن الطوق، إلى أن لقي ربه راضياً مرضياً، إن شاء الله، في خدمتنا، فأضاف، كما هي عادة قادتنا الأماجد على الدوام، مزيداً من اللبنات الراسخات في بناء دولتنا الفتية المباركة هذه، رائدة الخير وقائدة الإنسانية في العالم، فترك بصمته في كل شأن من شؤون حياتنا.
لقد كان الفهد، رحمه الله وأحسن جزاءه، إضافة مهمة حقاً في تثبيت دعائم دولتنا، ونبع خير طالما أغدق علينا، بل فاض خيره ليشمل الإخوة في الدم والعقيدة والبشرية كلها، لاسيما خلال الفترة التي تولى فيها سدة الحكم على امتداد ربع قرن تقريباً، من الحادي والعشرين من شعبان عام 1402هـ، الموافق الثالث عشر من يونيو عام 1982م، حتى رحيله المهيب عن دنيانا في السادس والعشرين من جمادى الآخرة عام 1426هـ، الموافق غرة أغسطس عام 2005م، مع أن عهده كان مثخناً بتحديات جسيمة، محلياً وإقليمياً ودولياً. إلا أنه كان على قدر التحدي، بل أقول تحدى الفهد تحديات عهده على كل المستويات، بما وهبه الله من شخصية قيادية فذّة، تميزت بالحكمة والحنكة والدراية والخبرة الواسعة، والتجربة الطويلة الثرّة في الحكم والإدارة. فكان حقاً قائداً ورائداً ورمزاً كبيراً، وزعيماً متفرداً في كل شيء بين أقرانه، إذ عرفه الجميع ديواناً للمجد ونبعاً صافياً لكل المكارم والمحامد والفضائل والسماحة والكرم، وكل ما يدخل في عداد الشيم العربية الأصيلة والمبادئ الإسلامية النبيلة.
أجل.. كان الفهد زعيماً استثنائياً، ليس لطموحه حدود، صاحب همة عالية، حاضر البديهة، متواضعاً، بل شديد التواضع لدرجة تخجل محدثه، مجلاً للعلماء، صادقاً أميناً، شجاعاً حليماً، واسع الصدر، راجح العقل، مترفعاً عن الصغائر والدنايا، لا يعرف الحقد، يكره الانتقام والخيانة والمداهنة، ويرفض أنصاف الحلول، رجل سياسة بامتياز، وصاحب دبلوماسية مدهشة، يدفع دائماً بالتي هي أحسن ويجنح للسلم ما وجد إلى ذلك سبيلاً.
أجل.. كان الفهد أباً رؤوفاً لصغيرنا وأخاً صادقاً محباً لكبيرنا، فوحد القلوب على حبه واحترامه وتقديره، لما عهده الجميع فيه من حب لشعبه وإخلاص لأمته وحرص على نفع الإنسانية كلها، أكده من خلال ذلك البذل السخي الذي أخجل السحب، وتلك الابتسامة المشرقة التي تؤكد نيته الصادقة ونفسه الصافية وعزيمته الماضية، ومحبته للجميع، وقلبه الطيب الكبير لاحتوائهم، فانطبعت في مخيلتنا حيث رسخت إلى الأبد، وما يكاد أحد اليوم يتذكره، إلا تتراءى له تلك الابتسامة المشرقة التي كانت تزين محيّاه. ولهذا، لا أتجاوز الحقيقة إن قلت إن الفهد كان حقاً شمعة مضيئة في تاريخ الإسلام والإنسانية، وحكمة أمة في رجل، وقوة زعيم في أمة. وقد أبدع حفيده، صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل، عندما حاول تلخيص ذلك كله في مرثيته الباكية التي ودّع بها الفهد.. كفّ الجود والكرم، إذ يقول:
كنت كفّ الجود تعطي بذا الوجود دون منٍّ
وكنت من يضوي شموع السلم، ويلم الحريق
سيرتك تاريخ عز وكنز أبد ماله ثمن
زاخر بالمكرمات وبالمعاني والرحيق
فما زالت سيرة الفهد، وستبقى إلى الأبد إن شاء الله، حيّة في وجداننا، نراها كل يوم في شموع السلم التي أضاءها في معظم بقاع الدنيا، وتلك الإنجازات الهائلة التي حققها لنا في كل المجالات، من التعليم إلى الصحة، فالدفاع والأمن والمواصلات والاتصالات والصناعة والزراعة، وفتح خزائن الدولة عبر تلك الصناديق العقارية والصناعية والتسليف، التي نقلت البلاد من بيوت الشعر والخيام والطين، إلى إعمار يضاهي الأمم المتقدمة، بل يتقدم عليها أحياناً، فضلاً عن خطط التنمية الخمسية المتعاقبة، واهتمامه بالاقتصاد والتخطيط والاستثمار والسياسة الرشيدة، التي حفظت للبلاد، بفضل الله، ثم بذكاء الفهد وعبقريته الفذّة النادرة وما عرف عنه من دهاء، مكانتها السيادية والسياسية، فضلاً عن الاهتمام بتعليم أبناء الوطن وتأهيلهم وتدريبهم لتحمل مسؤولية تنمية بلادهم.
ويروي الفهد في هذا حكاية طريفة، إذ يقول: عندما شكلت الوزارة عام 1373هـ، كنت في وزارة المعارف (التعليم) وكان الأخ سلطان بن عبدالعزيز في وزارة الزراعة. لقد كنّا وقتها نسأل من هم السعوديون الذين تخرجوا من الجامعات في مصر؟ فنتتبع خطاهم، حتى إذا وصلوا إلى المطار، أخذتهم أنا وسلطان لنستفيد منهم بحكم أنهم على مستوى علمي. واليوم بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بجهد المؤسس والفهد وإخوته السابقين واللاحقين، لدينا فائض في أبنائنا وبناتنا المتعلمين المؤهلين المدربين الجاهزين للعمل في كل المجالات.
وصحيح.. يتطلب الحديث عن كل جانب من جوانب التنمية التي حققها لنا الفهد مساحة ووقتاً قد لا يتوافران الآن، ولهذا أكتفي هنا بالإشارة سريعاً إلى ما حققه في مجال الزراعة من نقلة نوعية في تاريخ البلاد، أدهشت العالم، استجابة لتطلعات المواطنين لنهضة زراعية توفر اكتفاءً ذاتياً في كثير من المنتجات. فسار الفهد على نهج المؤسس الذي أصر على إعفاء الآلات الزراعية المستوردة من أي رسوم أو ضرائب، وأمر بإقراض المزارعين وإنشاء القرى الزراعية لتوطين البادية، وتدريب المزارعين على استخدام الآلات الزراعية الحديثة، واستقدم الخبراء من مصر والعراق وأمريكا، سعياً لتوفير الأمن الغذائي. فقدم الصندوق العقاري في عهد الفهد قروضاً دون فوائد لمدة خمسة وعشرين سنة، وقدم الصندوق الزراعي للمزارعين قروضاً تصل حتى عشرين مليون ريالاً حسب حجم الأرض، دون فوائد أيضاً لمدة عشرين سنة. وبذل جهداً شاقاً لتوفير المياه، فحفرت الآبار، وأقيمت محطات التحلية، فاندفعت المياه من الخليج العربي حتى أواسط البلاد، ومن البحر الأحمر حتى مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف وأبها وخميس مشيط وعسير، عبر جبال يبلغ ارتفاعها أحياناً ثلاثة آلاف وخمسمائة متر عن سطح الأرض.
فوفرنا كثيراً من احتياجاتنا من الفواكه والخضراوات والحبوب، لاسيما القمح الذي يعد سلعة إستراتيجية مهمة، إذ زاد إنتاجنا من ستة وعشرين ألف طن عام 1390هـ (1970م) إلى أكثر من أربعة ملايين طن عام 1413هـ (1992م) ففاض عن حاجتنا، وصدرنا الفائض إلى سويسرا واليونان وإيطاليا وغيرها من الدول. كما صدرنا الورود بآلاف الأطنان إلى أوروبا، خاصة هولندا التي أصبحت فيها الورود السعودية علامة تجارية مميزة. فصفق العالم بإعجاب لهذا الإنجاز الذي يشبه الإعجاز حقاً، في بلاد عرفت أنها صحراوية قاحلة، لكنهم نسوا أن لقادتها وأهلها عزيمة تفل الحديد، وتجعل المستحيل واقعاً حقيقياً.
أما الحرمان الشريفان في مكة المكرمة والمدينة المنورة، إضافة إلى المشاعر المقدسة في منى وعرفات ومزدلفة، التي تمثل جوهر رسالة قادة هذه البلاد الطيبة المباركة وأهلها الموحدين، فتحتل منهم مكان القلب والعقل من الجسد، ولهذا تحظى بعناية فائقة ورعاية مميزة واهتمام كبير، إذ تمثل تلك البقاع الطاهرة أعظم إرث لنا، وأعظم اعتزاز، لما شرفنا الله به من مسؤولية شرعية عنها، تستوجب قيام العبد بواجبه تجاه خالقه عزّ وجل، شكراً وحمداً وثناءً على هذا الشرف العظيم الذي ليس بعده شرف، وتلك النعمة الجليلة التي ليس بعدها نعمة. وقد أكد الملك فهد، رحمه الله، هذا الاهتمام في مناسبات عديدة، قولاً صدّقه العمل، إذ يقول: (أما بالنسبة لي، فليس عندي شيء أفضل من مكة المكرمة والمدينة المنورة... إذا لم نخدم أم القرى والمدينة المنورة، أشرف بقعتين على وجه الأرض، فمن نخدم؟... إن المملكة لا تجد أرفع شيء من خدمة ضيوف الله والعناية بالمقدسات... إلخ). ولهذا أولى الفهد المدينتين المقدستين عناية فائقة لتطويرهما وتعزيز مستوى الخدمات فيهما، إلى أفضل درجة ممكنة، لتحتلا المكانة اللائقة بهما كأطهر بقعتين على وجه الأرض، ومهوى أفئدة مليار ونصف المليار مسلم، وملتقى ثلاثة ملايين كل عام في الحج، فضلاً عن العمرة والزيارة. فشهد الحرمان الشريفان في مكة المكرمة والمدينة المنورة، أكبر توسعة لهما في تاريخهما في عهده، واعتمدت أفضل أنواع التقنية في التبريد والإضاءة والصعود إلى الأدوار العليا، كما حظيت المشاعر المقدسة في مكة المكرمة بالاهتمام نفسه، الذي شمل تحسين الطرق وتشييد الجسور متعددة المنافذ، وحفر الأنفاق مزدوجة المسارات، وتمهيد الجبال، والإنارة والتشجير والسقيا وغيرها مما يوفر الراحة لضيوف الرحمن، في عمل جبار أدهش العالم، إذ كيف تستطيع دولة مهما كانت إمكاناتها، استضافة ثلاثة ملايين مسلم كل عام في تلك البقاع المحددة.. لكنه فضل الله وتوفيقه، ثم عزيمة قادة أوفياء مخلصين مؤمنين، شاكرين لربهم هذا الشرف العظيم، وشعب موحد مدرك لأهمية ما كلفه الله به من رسالة خالدة. هذا فضلاً عن شرف خدمة القرآن الكريم وإنشاء أكبر مجمع في العالم لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة لتزويد المسلمين في كل أنحاء الدنيا بنسخ منه، شكراً لله على هذه النعمة، وطمعاً في رضائه سبحانه وتعالى. وبالطبع إضافة لتشييد المساجد والجوامع في كل مناطق المملكة ومحافظاتا ومدنها وقراها وهجرها وتهيئتها للمصلين.
وتوج الفهد هذا كله بتخليه عن كل ألقاب الملك، ليتشرف بلقب (خادم الحرمين الشريفين) ليكون بذلك أول قادة الدولة السعودية الذين تشرفوا بحمل هذا اللقب، مؤكداً أن أسعد يوم في حياته هو يوم تخلى عن كل ألقاب الملك، مكتفياً بلقب (خادم الحرمين الشريفين). مضيفاً: (لقد كان في نفسي شيء من قديم، وهو أن أتشرف بأن أكون خادماً للحرمين الشريفين، أما صاحب الجلالة، فهو رب العزة والجلال... ولهذا عندما اخترت لقب خادم الحرمين الشريفين، بدل صاحب الجلالة، فقد اخترت الطريق الأصح، واخترت الطريق المشرف لمن تولى قيادة هذه البلاد. وهذا فيما اعتقد، أصبح شيئاً ثابتاً، وأشرف من أي لقب كان في الدنيا كلها بالنسبة لنا، بحكم أننا مسؤولون أمام الله، ثم أمام المجتمع الإسلامي، خاصة فيما يتعلق بمكة المكرمة والمدينة المنورة).
وعلى الدرب ذاته يسير خادم الحرمين الشريفين، سيدي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود اليوم، الذي أكد خلال استقباله الكريم لضيوف المؤتمر العالمي (الإسلام ومحاربة الإرهاب) بقصر اليمامة العامر، يوم الخميس 7/5/1436هـ، الموافق 26/2/2015م: (المملكة العربية السعودية تعتبر مسؤوليتها الكبرى هي المحافظة على بيت الله، ومهجر رسول الله، والمحافظة على أمن الحجاج والمعتمرين والزوار) ثم يضيف، حفظه الله ورعاه: (وأقول لكم بكل صراحة: مكة والمدينة تهمنا قبل كل شيء في هذه البلاد، والحمد لله هذا ما هو جارٍ فيها الآن). وقد عقد هذا المؤتمر الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي، برعايته حفظه الله، في مكة المكرمة، يوم الأحد 3/5/1436هـ، الموافق 22/2/2015م، وافتتحه نيابة عنه مستشاره صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة.
هذا بالطبع غيض من فيض الزعيم الكبير الفهد على المستوى المحلي، أما على الصعيد الإقليمي والدولي، فتلك حكاية أخرى لا تقل شغفاً عن سابقتها. وقد رأيت أن أعطي القارئ الكريم لمحة سريعة عنها، إذ يصعب حصر جهود الفهد في أي مجال من المجالات كما أسلفت، إن لم يكن يستحيل، لكفاءة القدرات التي عهدها الجميع في أدائه، ولهذا سوف أقسم هذا الجانب إلى مسارين، الأول: توطيد العلاقات بين الإخوة في الدم والعقيدة، خدمة للدعوة وللأمتين الإسلامية والعربية. والثاني: تعزيز العلاقات بين المجتمع الدولي، وتوظيف هذا أيضاً لخدمة قضايا المسلمين والعرب، لاسيما الأقليات المسلمة المنتشرة في كل أنحاء العالم، التي تعاني كثيراً بسبب التمييز العنصري والعقدي، انطلاقاً من مسؤولية بلاده الدينية والعربية والأخلاقية والإنسانية، التي حدد المؤسس الباني، الملك عبد العزيز، مرتكزاتها الأساسية، كما يصفها الفهد: (لقد كانت سياسة الملك عبد العزيز رحمه الله، ثابتة تقوم على المبادئ والأخلاق، وتلتزم التزاماً مطلقاً بالمنهاج الإسلامي إطاراً وسلوكاً.. قولاً وعملاً، كما تلتزم التزاماً مطلقاً بالحفاظ على المقدسات الإسلامية، واعتبار عقيدة المملكة وكرامتها وأمنها ومصالحها فوق كل اعتبار، والحفاظ المطلق على حقوق العرب والمسلمين، وتغليب هذه الحقوق وتعهُّدها ورعايتها بالحكمة والتشاور مع إخوانه زعماء العرب والمسلمين، والاهتمام بالسعي لترسيخ دعائم السلم والأمن الدوليين). مؤكداً للجميع التزام دولتنا المباركة بمنهج المؤسس: (وإني أؤكد أن من نعم الله على هذه البلاد، وحسن حظها، أن حاضرها المشرق موصول بماضيها العريق، وأن ما تشهده من تحكيم شرع الله، ومن تنمية متتابعة ومتواصلة في مجال التعليم والتدريب والزراعة والصناعة والرقي بالإنسان، والسير به على المنهاج الإسلامي، إنما هو امتداد أصيل لنهج الملك عبدالعزيز، رحمه الله، وطريقته الفذّة في العدل والإنصاف وتحكيم شرع الله.. وكما تمسكنا بهذا المنهاج في حاضرنا، فإننا سنظل بإذن الله جلّ وعلا، متمسكين به حتى يرث الله الأرض ومن عليها).
فقد حاولت جاهداً تتبع جهد الزعيم الكبير الفهد، رحمه الله، في المسار الأول بصفتي متابعاً للإعلام ومراقباً من قديم، فأصبت بالذهول. وأعرف أنك ربما تتساءل أيها القارئ الكريم عن سبب ذهولي. والإجابة: راجعوا كل خطب الفهد وكلماته في مختلف المناسبات: اجتماعات القمة العربية، اجتماعات قادة دول مجلس التعاون الخليجي، مؤتمرات القمة الإسلامية على اختلاف مسمياتها، اجتماعات الأمم المتحدة، أو غيرها من الكلمات والخطب التي يوجهها للمواطنين، أو مؤتمراته الصحفية داخل البلاد أو خارجها.. وأقولها لكم صادقاً، أنكم لن تجدوا كلمة واحدة من كلماته في هذه المناسبة أو تلك، تخلو من الاهتمام بشأن العرب والمسلمين، والمنافحة عن حقوقهم، والدعوة إلى ضرورة رص الصفوف وتوحيد الكلمة وإخلاص النية والعمل المشترك، من فلسطين إلى العراق وإيران والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة وأفغانستان والشيشان والباكستان وبنغلاديش ولبنان والصومال وجيبوتي وتشاد واليمن والسودان وإريتريا والبوسنة والهرسك والمغرب والجزائر وقبرص وناميبيا وجنوب أفريقيا وحتى إيران، بل ربما خصص في بعض الأحيان خطابه كله عن هذه القضية أو تلك، خاصة أيام الحرب الإيرانية العراقية، وغزو العراق للكويت الشقيق، وحرب التحالف التي تزعمتها المملكة بقيادة الفهد لدحر الطغيان وإخراج العراق من الكويت، وقتال الفرقاء في الصومال وأفغانستان ولبنان.. ويخاطب المؤتمرين في كل تلك المؤتمرات والمناسبات، بكل ما عهد فيه من شفافية وصدق وصراحة وشجاعة، وحرص على جلب الخير ودفع الشر وتحقيق النفع: (إذا كانت قضية فلسطين هي قضيتنا الأساسية الأولى، فإن موضوع القدس الشريف، يشكل في نظرنا قلب المشكلة الفلسطينية... يتعرض لبنان الشقيق اليوم إلى أشرس مؤامرة يكتبها التاريخ بدماء أبنائه، أطفأت نيرانها كل نور كان يضيء ما حوله. وأودى دمار حروبها بكل ما شيّده شعب لبنان الأبي على قمم جباله وفي سهوله وشواطئه، من حضارة وعمارة وعلوم وفنون... إننا نعترف بإعلان دولة البوسنة والهرسك، ولن نتوقف عن حمل قضية شعبها إلى كل المحافل الدولية... كلنا نعلم أنه ليس دولة واحدة فقط هي التي استعمرت الصومال، بل تكالبت عليه عدة دول، ومع هذا كله، تمسك الشعب الصومالي بعقيدته الإسلامية، لأنه شعب عربي أصيل... إن ما يؤلمنا حقاً، ويقض مضاجعنا ويثير مخاوفنا، أن تكون أفغانستان لسنوات طويلة مصدر قلق واضطراب وتوترات في العام كله، بعد أن كانت مصدر خير ومحبة وسلام إلى كل الأرض، فهل يقبل زعماء أفغانستان بهذا الحال ؟... لقد آلمنا ما تعرض له إخواننا في الشيشان وأفغانستان والصومال والبوسنة والهرسك من تصفيات جسدية، وتدمير شامل، وسفك للدماء... إلخ) ثم يدعو الفرقاء في أفغانستان والصومال إلى الصلح بينهم في مكة المكرمة، ويدعو الفرقاء في لبنان إلى مؤتمر الطائف الشهير الذي كان الفهد مهندسه البارع، فوضع حداً لحرب أهلية شرسة، أطفأ سعيرها كل ما شيّده أبناء لبنان من نور، كما عبر الفهد. ويدعو في وقت مبكر للوحدة بين دول الخليج: (... العوامل الكفيلة بنجاح التعاون بين هذه الدول، هي عوامل راسخة ومتأصلة في التربة الخليجية، فالأصول الدينية والحضارية والثقافية واحدة، والامتداد الجغرافي والتاريخي واللغوي واحد. وكل ذلك يجعل من التعاون والتنسيق منطلقاً أساسياً نحو تحقيق الأهداف النبيلة التي وضعها المجلس. وإن استمرار الدول الست في السير على هذا الطريق بخطىً واثقة، سيحقق في النهاية، بمشيئة الله، الوحدة الحقيقية المترسخة في وجدان كل مواطن في هذه المنطقة).
ومع أنه كان دائم المنافحة عن حق العراق في حربها الضروس ضد إيران، إلا أنه لم يكن يتخلى يوماً عن مثله وأخلاقه وقيمه عند الفصل بين الإخوة المتخاصمين، ولهذا عندما أعمت الحماقة صدام حسين، فأمر جحافله باجتياح الكويت الشقيق، متنكراً لكل القيم والأعراف، هب الفهد كعادته للدفاع عن الحق، وسمّى الأشياء بأسمائها: (... ما قام به العراق في الكويت من أعمال وحشية وسفك وقتل ونهب، إنما هو من البعد عن الدين والانحراف عن طريق الله، فكيف يمكننا أن نحّدث غير المسلمين عن سماحة الإسلام والأخوة الإسلامية بعد كل هذا الذي حدث ؟... لقد زرعت المأساة التي خلّفها عدوان النظام العراقي على دولة الكويت الشقيقة، الكثير من الشكوك والمخاوف بين دولنا وشعوبنا... ). وعندما بعث صدام حسين صبيحة اليوم التالي لاحتلاله الكويت، نائبه عزت إبراهيم لكي يطمئن الملك فهد على أن المملكة لن يصيبها أي أذىً من جانب العراق، رد عليه الزعيم الفهد بحسمه المعهود في مثل هذه الظروف التي لا تقبل أنصاف الحلول: (أنا أناقش وضع الكويت، وليس أمن المملكة العربية السعودية). وعندما تبين له أن لا فائدة ترجى من مناقشات وحوار يمكن أن يفضي إلى حل سلمي للأزمة، لم يتردد الفهد لحظة في استدعاء القوات الأمريكية والأوروبية والقوات الصديقة من كافة أنحاء العالم، وطرد العراق من الكويت بالقوة الجبرية، وكان ما كان مما تعرفون. وقد أعجبني تصوير شاعرنا المعروف اللواء خلف بن هذّال، لهبة الفهد لنجدة الكويت، إذ يقول في مرثيته التي ودّع بها الفهد:
يوم اعتدا الغاشم وحول بجارته
قال أنت يا هذا الغشيم هبيل
هي جارتي واقف على الرجل دونها
وأنا لها بعد الوكيل وكيل
رد الحقوق وصبها في مسارها
فعل الأصيل من الجدود أصيل
قال أنعمي يا كويت بالأمن واعمري
وأنا وراك ومن غزاك ذليل
واليوم، وأنا أكتب مقالي هذا، يحتفل الأشقاء في دولة الكويت الشقيقة، بالذكرى الرابعة والخمسين لاستقلالها، كما يحتفلون في الوقت نفسه، بالذكرى الرابعة والعشرين لتحريرها من كيد صدام حسين وأعوانه. وقد أثار هذا في نفسي شجوناً يصعب وصفها، إذ كنّا في تلك الأيام العصيبة نحظى بزيارات الفهد الدائمة لنا في الجبهة، يشد من أزرنا ويحثنا على الإقدام دفاعاً عن الحق ونصرة للأخ ظالماً أو مظلوماً، كما علمنا ديننا الحنيف.
على صعيد آخر، قدم الزعيم الفهد مساعدات سخية للإخوة في العقيدة، شملت الأقليات المسلمة في جميع أنحاء العالم، فشيد لهم المساجد والمراكز الإسلامية والجامعات والمعاهد والمدارس والأندية الثقافية، وأوفد لهم الدعاة، ووفر لهم الرعاية الصحية والاجتماعية. وفتح لهم الجامعات الإسلامية في البلاد في أم القرى والمدينة المنورة والرياض، وهيأ لهم كثيراً من أسباب العمل والنشاط التي تساعدهم على الاندماج في تلك المجتمعات، دون أن يضطروا لفقدان هويتهم العقدية.
وأختم هذا المسار بنداء وجهه الزعيم الفهد إلى الإخوة في لبنان قبل أكثر من ثلاثة عقود، وهو بالطبع تعبير عن حال كل الأمة العربية كما أكد الفهد.. غير أن المؤسف حقاً، أن الأمر ما زال على ما هو عليه، بل أسوأ مما كان عليه أيام الفهد، فما أشبه ليلة العرب ببارحتهم: (أخاطبكم من أعماق قلب عربي أدمته المأساة الأليمة التي حلت بأبناء الأمة العربية في أكثر من بقعة، على صعيد المنطقة... إن على لسان كل عربي يعيش اليوم في هذا العالم، سؤال يتردد حتماً كل صباح ومساء، سؤال حائر يتكرر: لماذا يقاتل العربي أخاه العربي؟ لماذا يحرق العربي أرضه ويشتت أهله وينسف داره؟).
أما فيما يتعلق بالمسار الثاني، الذي يتصل بتعزيز علاقات بلادنا مع الدول الصديقة والشريكة والمجتمع الدولي بشكل عام، وتوظيف هذا الزخم كله لخدمة العرب والمسلمين، أولى الزعيم الفهد السياسة الخارجية اهتماماً كبيراً، لإيمانه بدور بلاده المتعاظم دوماً في الدفاع عن قضايا أمته العربية والإسلامية والقضايا العالمية العادلة، متبعاً سياسة راسخة، قوامها تحقيق العدل والمساواة بين الدول والشعوب، ومبدؤها الثابت صيانة كرامة الإنسان وحقوقه المشروعة، استناداً إلى مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة، والتزاماً بأطر الشرعية الدولية وقوانينها وأعرافها. مؤكداً في كل المحافل الدولية مبدأ المؤسس الراسخ منذ بزوغ فجر دولتنا العتيدة ):نحن في المملكة العربية السعودية، لم نحاول في يوم من الأيام، لا سرّاً ولا علناً، أن نرتكب خطأً بحق دولة مسلمة أو حتى غير مسلمة، ولا بحق شعب أو فرد من أفراد الشعوب الإسلامية أو غير الإسلامية. ولم نؤذِ أحداً، ولم نتدخل في شؤون أحد، ولم نخلق مشكلة لأحد، ولم نتآمر على أحد، ولا صرفنا قرشاً واحداً ليتآمر فلان على فلان، أو يقتل فلان في الشارع.. نحن نريد أن نكون أصدقاء للجميع، صداقة الند للند، لا صداقة الخضوع والخنوع ). حاثاً المجتمع الدولي على تبني نظام عالمي جديد، يقوم على مبادئ العدل والمساواة والتكافل والتعاون وترسيخ السلام بين جميع الأمم والشعوب، ومساعدة الدول النامية، حتى تستطيع الاعتماد على نفسها ومواصلة مسيرتها التنموية لتحقيق خير شعوبها. مؤكداً التزام بلاده الدائم برسالة الخير في تحمل مسؤولياتها في كل مسعى للسلام العادل، من أجل وأد الفتنة وإطفاء نيران الحروب، وتعزيز العلاقات، والتعاون المستمر من أجل مجتمع دولي تسوده روح العدالة وينعم بالسلام.
أجل... هذا هو الفهد الزعيم الاستثنائي الكبير، الذي وظف كل ما وهبه الله من كياسة ودهاء، وحكمة وحنكة وحلم وعلم، وقلب كبير، ونفس طموحة، وعقل راجح، لتحقيق خير الإنسانية.. غير أنه ثمة إنسان كبير مختفٍ وراء الملك، لم يعرفه إلا قلة من الناس ممن عايشوه عن قرب، لأنه كان يريد أن يبقي ما بينه وبين الله من عمل صالح، خالصاً لوجهه الكريم سبحانه، كما أكد الوزير الشاعر الدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي، رحمه الله، في رثائه لزعيمنا الاستثنائي الفهد: (أعرف الإنسان المختفي وراء الملك... الطيبة التي تسكن رجل الدولة المحنك... أعرف مئات المرضى الذين حملهم إلى العلاج... أعرف عشرات الأرامل اللواتي حمل إليهنّ الأمل والمأوى... أعرف الأطفال الذين أعطاهم جزءًا من قلبه... أعرف الرجل الذي كان يبتسم للناس وقلبه يدمي من الداخل... الذي كان يضحك للناس والهموم تمزق روحه... وأذكر كيف كان وجهه يضيء عندما أخبره أن قرية قد أضيئت بالكهرباء... وكيف كان وجهه يتهلل عندما أقول له إن مصنعاً قد أفتتح... أذكر زيارته للمستشفيات، وحديثه العذب الضاحك الذي كان ينسي ساكني الأسرة البيضاء، أسّرتهم... أذكر النقود والثياب يرسلها في ظلام الليل إلى ذلك المستشفى في الطائف، ويقول: لا تخبروا وزير الصحة...).
وحقاً، لا أجد أفضل من حديث الشاعر الأديب الوزير الدكتور غازي القصيبي، رحمه الله، لأختم به حديثي هذا عن أحد أركان دولتنا الخالدين، الذين قضوا حياتهم كلها يكافحون من أجل خيرنا وعزتنا وخدمة عقيدتنا ورفعة بلادنا.. فرحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته، مع الصديقين والشهداء، وبارك لنا في سيدي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين وولي ولي عهده، وحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه.