د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
ليلةَ غزا «صدام» الكويت سهرَ عند صاحبكم في شقته بحي العليَّا صديقاه «الحميمان» صالح السويدان حفظه الله وخالد البنيان - رحمه الله- 1960-2000 م - ويستعيدُ استئذانَه منهما لينام مبكرًا؛ فلديه التزامٌ من الغد «الخميس» لتنفيذِ فترة الضحى في إذاعة البرنامج العام (الرياض).
** استيقظ صاحبُكم لا يدري شيئًا إذ لا وسائطَ عاجلةً كما لا هواتف متنقلة آنذاك، ووصل مبنى الإذاعة قبل العاشرة صباحًا فوجد إدارةَ الأخيار مائجةً بعملية الغزو ولا أنباءَ سواها، وإذ لم تصدر التعليماتُ بالإذن لغرفة الأخبار بإذاعة ما يردُها، ولاعتماد إعلامنا منهج الصمت أيامًا تلت «الثانيَ من آب» فقد قرأ موجز «الحاديةَ عشرةَ صباحًا» في دقيقةٍ واحدةٍ وكان الخبرُ الأول عن جنوب أفريقيا، وقرأ نشرة التاسعة مساء السبت «أو الأحد»- لا يذكرُ الآن - ولم تزد على خمس دقائق؛ فالصمتُ سيدَ الموقف الرسميِّ، ويذكر أن صديقه «السيناريست المصري هاني الزرقاني» أخبره أنه كان يتابع مع والده - رحمه الله - النشرة ليعرفوا الحقيقةَ من وجهةِ نظرنا فخاب ظنُّهما وقال له والدُه حينها: أعلم أنك تحب أن تستمعَ إلى صديقِك «على عيني وعلى رأسي!!»ولكن ابحث لنا عن إذاعةٍ تُطلعُنا على ما يدور.
** حكايةٌ تعود إلى عام 1990م - أي قبل ربع قرن- تبدل معها العالَمُ كما الإعلام؛ فلم تعد القنواتُ الرسميةُ وحدها مصدرَ الخبر، واختلطت الشائعةُ بالحقيقة والصدقُ بالزيف والمباشرةُ بالاستتار والوضوحُ بالتُّقية؛ فبلغتنا المعلومةُ من غيرِ أن ندقق بها ووقعنا في التناقض الذي لم نشكُ منه زمن شحِّ المَقول والمنقول، ومع تسارعِ الأحداثِ وتجددِها صار الجميعُ حكَّائين؛ من أُوتي منهم علمًا ومن مُلئَ وهمًا ومن ظنَّ أن الحضورَ في كلِّ الأماكنِ والقنواتِ ولجميع القضايا والمشكلاتِ يعني تميزًّا؛ فما عدنا نعرفُ تخصصًا ولم يعد يعنينا متخصصون.
** ليس أيسرَ - في التحليل والتعليل - مما يصنعُه المتشفي والمتخفي والفارغُ والمتفرغُ، وهي معالمُ تسمُ الإعلامَ والإعلاميين وساكني المقاعدِ النائيةِ المتفرجين على ما يدور موقنين أن الصمت ضعفٌ مع أن الصوت «أحيانًا» حيف؛ فالعقلُ يتفوق على العاطفة كثيرًا، والمحرومون من رؤيةِ الجمال مهووسون بتكثيفِ القذى والأذى.
** البديل جاهزٌ - لا ريب- فالمحللون الأجانبُ قادرون - بالمعلومة والتأريخ - على أن يسُدُّوا الفراغَ المسكون بالإنشائيةِ والتلونِ والقفز على المقدمات والخطابيةِ التي اعتمدتها بعض الأنظمة زمنًا، وما تزالُ بعضُ الأحزاب تتبناها، وقد أثبت إعلامُنا العسكريُّ تفوقَه عبر الرقمِ والحقيقة والصورة؛ فصار موردًا ومصدرًا، وداخل إضاءاته الهادئة غامت شموسُ الإعلام المضاد.
** نبقى مع استفهامٍ مهمٍ حول مدى إفادتنا من التغيراتِ التواصليةِ التي ألغت اللغةَ الإعلامية القديمة وأين نحن منها ومن مُعتَّقيها الذين يُجيدون الشماتةَ ولا يعرفون التشميت؟ ولهذا حديث قد يجيء.
**المقارنةُ مقاربة.