د. فوزية البكر
أثارت القضية التي ظهرت في الأسابيع الماضية ضد الأكاديمي (الغربي) من الكليات المهنية الخاصة المسماة: لوريت التي مقرها جدة عددًا كبيرًا من الأسئلة (الثقافية) و(الأكاديمية) حري بالجامعات لدينا تناولها وطرح جزئياتها للمناقشة بغية تفهم الموضوع حتى يمكن إصدار أحكام (واقعية) و(علمية) مبينة على معطيات (فعلية) على أرض الواقع.
والذي حدث أن هناك أكاديميًا غربيًا (هكذا الخبر) (دون تحديد للجنسية مما يعني أنه بلا شك ربما من أمريكا الشمالية أو بريطانيا أو كندا أو أستراليا) أي الدول الأكثر تأثيرًا على المنطقة وهو يدرس في كلية لوريت المهنية السعودية في جدة التي تنضوي كما يذكر موقعهم تحت مظلة جامعات لوريت المهنية حول العالم ومنها الكلياتان المهنيتان في كل من مكة والرياض للبنات وكليتا التَّميز والسياحة في كل من الرياض وجدة.
فحوى الخبر أن هذا الأكاديمي لم يكن قادرًا على تفهم طبيعة الثقافة المحلية مما حدا به إلى أن يتفوه ببعض الألفاظ (المسيئة) لبعض معتقداتنا أو أساليبنا في المعيشة مما حدا بالكلية إلى فصله إثر تلقي شكوى الطلاب وما تلاها من تحقيقات للتأكَّد مما (تم الادعاء فيها عليه).
طبعًا هناك عدد من القضايا التي يمكن أثارتها في هذا الموضوع، أولها درجة الفهم والحساسية الثقافية التي يجب أن يتمتع بها كل من اضطر إلى الانتقال والتدريس خارج الثقافة التي تربى عليها.
وفي العادة ومن خلال خبرتي وبالذات مع الجامعات الأمريكية فإن هناك حساسية عالية واحترامًا كبيرًا للاختلافات الثقافية بسبب التنوعات العالية لهذا المجتمع ولا أزال أتذكر حين ذهبت كأستاذ متفرغ في جامعة جورج تاون عام 2002-2003 وكان ذلك في السنة التالية مباشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر المشؤومة ولم تتوان الجامعة نفسها من أن ترسل لي رسالة مؤكدة على موقفها المحايد مني كسعودية ومسلمة وتحثني على أخبارهم بأي تحيز قد أشعر به في الجامعة من أي شخص أو أي جهة! والأمر نفسه حدث من بعض الجيران (وليس كلهم)! لكن في الغالب الأعم فالمؤسسات الأكاديمية وأعضاؤها يتميزون في الكثير جدًا من الجامعات المشهورة بالحذر الشديد لأية (مواقف) (عنصرية) أو مواقف (لها علاقة بالدين أو الثقافة المحلية) مما يجعلني في استغراب شديد مما حدث خاصة أننا لم نسمع الدكتور نفسه يتحدث مثلاً أو يعرض وجهة نظره مقارنة بحجة الكلية التي امتلأت بها الصحف المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي بحكم محليتها.
وحتى تدرك ما أقصد تخيل أن تثار ضدك قضية ما في صحيفة محلية يمتلكها صناع القرار في تلك المدينة لكنك لا تتحدث اللغة الإنجليزية فماذا سيكون موقفك؟
أقول: هذا ليس دفاعًا عن أحد بل حتى نتمكن أن نضع أنفسنا في مواقع المتهمين ومعرفة كيف تشكلت وجهات نظرهم وما هي فرص قدرتهم على عرض رؤيتهم لنا بأحادية ودون مواقف مسبقة.
وبالنسبة لشكوى الطلاب حول عدم تفهم هذا الأستاذ لكلمة (إن شاء الله.) فكما أرى هي لا تأتي من كونها كلمة فيها ذكر الله من عدمه كما أعتقد الطلاب لكنها تأتي من التفسيرات السيسيولوجية والثقافية المرتبطة باستخدام العبارة والقائمة بالنسبة للغربيين علة فكرة عدم التحديد للوقت أو الجهد أو دور الفرد عند ترديد هذا المصطلح المرتبط بممارسات بَعضُنَا مثل التأجيل للعمل وعدم تحديد وقت واضح لإنهاء المهام أو عدم الشعور بالمسئولية الفردية تجاه ما يحدث لنا باعتبار ذلك خارجًا عن قدرتنا.
لكن رؤيتنا كمسلمين بأننا وبإذنه تعالى وكما نؤمن بذلك سوف نعمل على الموضوع لكن كل هذا وفي النهاية بالنسبة لنا مرتبط بالإرادة الإلهية التي نسلم بكمالها ونسلم لها فإن شاءت هذه الإرادة أن يتم هذا العمل فسيتم.
وهي من قولنا مرارا وتكرارا. (أعقل وتوكل). أي قم بما عليك من دراسة أو عمل أو رعاية وأترك الباقي على رب العالمين وهذا هو المفهوم السائد بيننا كمسلمين.
لكنه ليس كذلك بالنسبة للثقافة الغربية التي لا ترى أي شيء خارج عن حدود الإرادة لفردية..
الرؤية الغربية لعلاقة الإنسان بالالهه وبنفسه ومفهوم المسئولية الفردية التي يتربون عليها مختلفة كلية بحيث تنظر إلى رؤيتنا كتواكل وعجز وعدم قدرة على تحديد الإطار الزمني أو الذاتي للمسؤولية الفردية لإنهاء العمل.
ان فهم هذه التفسيرات الثقافية هام جدًا حتى يتمكن أي معلم أو في الحق أي إنسان من معرفة الخلفية الثقافية والتفسيرات الاجتماعية لكثير من القضايا المطروحة حتى لا يحدث سوء فهم كما حصل مع الأستاذ المذكور.
بالطبع هناك كثير من جهلاء العرب كما جهلاء الغرب وهم بالملايين الذين لا يستطيعون بسبب جهلهم وضيق افقهم من استيعاب التنوع في الثقافات العالمية تمامًا كما يفعل البعض منا أحيانًا حين يضيق رؤيته للعالم بما يفسره ويقبله هو أو أخوانه أو عشيرته وما عدا ذلك فهو خطأ أو محرم أو تافه وسطحي الخ من الأحكام الجاهزة التي نطلقها كثيرًا بسبب عنصريتنا الثقافية العالية النبرة.
هذا التيار الهادر هو الآن ما يجرف العالم اليوم ضد الإسلام والمسلمين فيما يسمى الإسلامافوبيا التي أشتد عودها بعد كل هذه الأحداث البشعة التي قامت وتقوم بها الجماعات الإسلامية المتطرفة بما يعمم لدى البسطاء وغير المتعلمين الفكرة القاتمة حول طبيعة الإسلام والمسلمين وهو الأمر الذي أتوقع له للأسف أن يزداد ويشتد في السنوات المقبلة بحيث سيكون جليًا أن الفيلسوف الأمريكي صمويل هانجتون ربما كان محقًا حين أكَّد في نظريته المشهورة صراع الحضارات: إن حروب البشرية المقبلة (أكَّد ذلك في بداية التسعينيات) لن تكون حروب قوة أو استغلال للموارد الطبيعية كما كانت حتى منتصف القرن العشرين بل ستكون في أغلبها حروبًا دامية لأسباب ثقافية ودينية!