د. فوزية البكر
تضطر الدول تحت ظروف معينة إلى إغلاق مدارسها خلال العام الدراسي، وفي الغالب لأيام محدودة كما حدث لدينا عند هجوم موجات الغبار الكثيفة، وربما في مناطق أخرى لغزارة الأمطار أو الثلوج... إلخ.. وفي العادة يتم تعويض هذه الأيام في نهاية العام سواء كانت يومين..
ثلاثة أو عشرة فهي في العادة تعوّض بأيام موازية إضافية قبل نهاية العام، وقبل الاختبارات النهائية حتى يكمل الطلاب عاماً دراسياً كاملاً، كما تقرره اللوائح المنظِّمة للمدارس في شتي بقاع العالم والتي تنص على ألا يقل العام الدراسي عن 128 يوماً دراسياً.
لكن بعض الظروف الاستثنائية مثل ظروف الحرب أو الكوارث الطبيعية الكبيرة قد تجبر الحكومات على إغلاق بعض المدارس التي تقع بالقرب من مناطق تماس أو صراع، كما حدث مع مدارس مناطق الجنوب في المملكة العربية السعودية والتي اضطرت لإغلاق أبوابها قبل نهاية العام بأكثر من خمسة أسابيع أو أكثر، نظراً لما تراه الوزارة من أخطار محدقة على التلاميذ والعاملين سواء عبر تنقلاتهم اليومية من وإلى المدرسة، أو عبر تجمعهم أثناء الدراسة في مكان واحد قد يسهل جعلهم أهدافاً محتملة للعدو.
أتوقع أن الطلاب سعيدون جداً بهذه الإجازة التي جاءت مبكرة من غير توقُّع مسبق، فمن يحب - للأسف - الذهاب إلى المدرسة؟.. (كيف حدث ذلك؟.. كيف تم تحويل المدارس إلى سجون يتمنى الطلاب الهرب منها بدل أن تكون واحات ملهمة لحب الاستطلاع والبحث واللهو والمتعة بالمعرفة والاكتشاف؟).. (وهذا موضوع آخر مهم يجب التحدث عنه).. لكن السؤال هو: كيف يُمكن تعويض الطلاب الذين تضطرهم ظروف استثنائية كالتي نمر بها اليوم للتوقف عن الذهاب إلى المدرسة قبل أن يتموا مناهجهم الدراسية لهذا العام، وكيف يُمكن نقل الطلاب إلى المراحل التالية (حتى لو عن طريق الترفيع الآلي) من غير أن ينهوا المناهج الدراسية للعام الحالي؟.. لاحظ أن المعارف والمفاهيم العلمية واللغوية والدينية والاجتماعية تُبنى بشكل متسلسل مركب عاماً بعد عام، وهذا يعني أن على الطلاب أن يتموا مفاهيم محددة قبل نقلهم للمرحلة التي تليها، حتى يتمكنوا من استيعاب ما سيدرسونه للعام القادم.
لا شك أن وزارة التربية والتعليم بما تحويه من خبراء ورجال ونساء لهم باع طويل في هذا المجال، سيجدون عدداً من الحلول الآنية والمستقبلية التي تسمح بتوفير الحماية اللازمة للطلاب من أي شر قد يتهددهم، وهو الهدف الأول والأساس بلا شك، ثم إتمام تعلُّم الطلاب لمقرراتهم الدراسية كل حسب مرحلته حتى تتحقق أهداف التربية والتعليم.
إذا تحدثنا عن تجارب العديد من الدول المتقدمة، وكذلك تجارب بعض المدارس العالمية أو الأجنبية في السعودية، فيُمكن لنا الحديث عما يُسمى (سايبر ليرننك) أي التعلُّم في الفضاء الافتراضي، فالمدارس لديها خطط جاهزة مع معلميها وطلابها بحيث لو حدث أي أمر يعطل قدرة الطلاب للوصول إلى مدرستهم، فسيقوم المعلمون بتدريسهم عبر البرامج المختلفة التي تم تدريب المعلمين عليها مثل: البلاك بورد.. وغيرها.. وغيرها من البرامج التعليمية التي تسمح بتفاعل يقارب ما يحدث في الفصول الدراسية، ولكنه يحدث من منزل المعلم ويصل إلى الطالب أيضاً في منزله ليقضي الطالب يوماً دراسياً عادياً بكل ما تشتمله خطة التدريس من مدرسين ومواد وواجبات لذلك اليوم في حال حدث حابس وقضي بألا يكون هناك لقاء فعلي داخل المدرسة.
بالطبع، فهذا يتطلب بنية تحتية إلكترونية عالية الجودة، كما يتطلب معلمين مدربين على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة باحترافية عالية، إضافة إلى القدرات المالية العالية لشراء برامج مكلفة كهذه، فماذا يمكن لنا أن نفعل نحن في ظل إمكانات المدارس البسيطة وبخاصة في المناطق النائية، حيث نعرف أن البنية التحتية للاتصالات الإلكترونية قد لا تتوافر في المدارس أو بيوت الطلبة؟
وقد أحسنت وزارة التربية والتعليم حين أطلقت قناة دروس التلفزيونية يوم 12 أبريل، وبالذات بتقديم الدروس وخصوصاً الصعبة منها في الفيزياء والعلوم والرياضيات، وذلك ليتمكّن الطلاب من متابعة تعلُّمها من منازلهم، وجاءت هذه الخطوة سريعة جداً ومناسبة للظرف الذي يعيشه أبناؤنا الطلبة في جنوب المملكة.
إلى جانب ذلك يمكن الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي للقيام بالتدريس الافتراضي للطلبة، خصوصاً أن الغالبية يملكون تلفونات ذكية أو على الأقل آباء الطلبة، كما المدرسون والمدرسات مما يمكِّن من أن يُحقق بعض التعلُّم؟ (المملكة هي الأعلى في العالم (نسبة لعدد السكان) استخداماً ومتابعة لتويتر واليوتيوب).
هل يمكن تدريب آباء وأمهات الطلاب لتعليم أبنائهم، وخصوصاً في المراحل الأولى لإكمال مقرراتهم من خلال برامج التدريب المنزلي المطبَّقة في كثير من أنحاء العالم، وبخاصة في البحرين لتدريب الأمهات على تعليم أبنائهن الذين لا يلتحقون بصفوف الروضة لأي سبب كان.
هل يمكن الاستعانة بالمسجد لإتمام تعليم العلوم المختلفة بواسطة الأهالي والمتطوعين أو المعلمين إذا كانوا يسكنون نفس الأحياء؟
يُمكن للأهالي متى منحتهم المدرسة الثقة والقبول أن يفعلوا المستحيل من أجل أبنائهم.. فقط لنخرج من الحيز الضيق في تفكيرنا بأن التعلُّم يحدث فقط في الفصل وعلى السبورة.. لم يعد ذلك صحيحاً وما نتعلمه وبخاصة خارج المدرسة السعودية يفوق بمراحل ما نتعلمه داخلها، وكل ما نحتاجه منها فعلياً هو الشهادة التي تثبت انتقالنا من مرحلة إلى أخرى!.. فقط لنفكر خارج الصندوق.