د. محمد عبدالله الخازم
كتوطئة؛ أشير إلى أن برنامج الابتعاث شكل حجر أساس في تطوير الكوادر البشرية ونقل المعرفة وتوطينها. في البداية كانت البعثات محدودة وكانت مدرسة البعثات ترحب بمن لديه الاستعداد للدراسة بها للحصول على أساسيات التعليم المطلوبة للابتعاث. لم تكن هناك جامعات سعودية بعد ولم تكن المدارس النظامية منتشرة بعد وبالتالي كان من يحمل شهادة المرحلة السادسة يمكنه الالتحاق بمدرسة البعثات. مدرسة البعثات أسست عام 1936م وسبقها إرسال أول دفعة من الطلاب للدراسة بالخارج وكان عددهم 14 طالباً. وبعد انتشار التعليم النظامي وتطور النظام الإداري وانتعاش الاقتصاد، توسعت برامج البعثات وجلها كان عن طريق الجامعات والقطاعات الأخرى. وهكذا على مدى ستة عقود ظل الابتعاث رافداً مهماً من روافد تطوير القوى البشرية والتنمية بصفة عامة وحظي بالدعم الكافي من قادة المملكة، حتى بلغ قمة وهجه بتأسيس برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، بتكاليف بلغت 22.5 مليار ريال - وفق ما أعلن في آخر ميزانية.
لقد أعلن معالي وزير التعليم استمرار برنامج الابتعاث مع السعي نحو تطويره. ونتفق بأهمية استمرار برنامج الابتعاث، بل والتوسع في تخصصاته ومراجعته بشكل يسهم في رفع كفاءته الاقتصادية والإدارية والمعرفية. أحد الأفكار التي أطرحها هنا تتمثَّل في دراسة اللغة الإنجليزية بالخارج، حيث تمتد دراسة اللغة لكثير من مبتعثينا إلى سنة ونصف أو سنتين، بكلفة قد تصل إلى أكثر من 300 ألف ريال، وقد ينجح الطالب بعدها وقد لا ينجح في اجتياز اللغة والحصول على القبول الأكاديمي في المرحلة المبتعث إليها. جهات الابتعاث لا تعلن تفاصيل الكلفة الحقيقية للطالب ونسب التسرّب والتأخير للطلاب وفي كل مرحلة من مراحل الابتعاث، والرقم أعلاه تقديري عطفاً على مستحقات المبتعث ورسوم الدراسة.
بعد المقدمة أعلاه أعود للفكرة البسيطة القديمة التي أشرت إليها في بداية المقال. نحتاج لمدرسة أو مركز أو معهد للتحضير للبعثات، يدرس فيه الطالب، خريج الثانوية المتميز، لمدة سنة دراسية تشمل اللغة الإنجليزية وبعض أساسيات الرياضيات والكتابة الأكاديمية وطرق التعلّم، إضافة إلى تهيئته للابتعاث، وفي حال اجتيازه للمستوى المطلوب يتم ابتعاثه للخارج وفي حالة عدم الاجتياز يحصل على منحة محلية أو مقعد بجامعة حكومية. لا أطالب بإكمال متطلبات اللغة داخل المملكة ولكن ليشترط حد أدنى من تحصيل اللغة، بحيث نقلص احتياج المبتعث للغة في بلد الابتعاث إلى أقصر فترة ممكنة. على سبيل المثال يشترط حصول الطالب على معدل 5.5 في الأيلتس أو ما يعادله خلال السنة التحضيرية، وقبل ابتعاثه وبالتالي يكفيه حوالي ستة أشهر أو أكثر قليلاً، لإكمال متطلبات اللغة في بلد الابتعاث. طبعاً إيجاد مسار تسريعي لمدة فصل دراسي للمتميزين القادرين على اجتياز شروط اللغة.
فكرة مدرسة تحضير البعثات لها مثيل في دول أخرى. على سبيل المثال يوجد برنامج متميز لدى مؤسسة قطر لتحضير الطلاب للدراسة الجامعية ومخرجاته تقود الطلاب للالتحاق بالجامعات المحلية والأجنبية في قطر. هناك دول عديدة - لا يسع المجال لحصرها- لا تبعث طلابها لقضاء أكثر من سنة لدراسة اللغة وإنما تحرص على ابتعاث من لديه الحدود المقبولة من المحصلة اللغوية. مدرسة تحضير البعثات يمكن تأسيسها بالتعاون مع مؤسسات أكاديمية وتعليم لغة عالمية ويحضر لها أساتذة من الدول التي يتم الابتعاث إليها، ويمكن تكليف جهة محلية متميزة للإشراف على تأسيسها كجامعة البترول صاحبة الخبرة العريقة في السنة التحضيرية.
الابتعاث للبكالوريوس في كافة المجالات هو الأهم لمستقبل بلادنا، لذلك تأتي مدرسة البعثات ضرورة لتحضير خريجي الثانوية للابتعاث للدراسة الجامعية، ولا يمنع أن تحوي برامج للمبتعثين للمراحل الأخرى.