د. محمد عبدالله الخازم
تأتي فكرة مواءمة مخرجات التعليم العام مع مدخلات التعليم العالي الأبرز في مبررات دمج وزارتي التعليم العام والعالي في وزارة واحدة. وهنا يأتي السؤال: كيف يستفيد التعليم العام من ارتباطه بالتعليم العالي؟
الجانب الأهم المشترك هو التعليم التربوي؛ إذ إن تحسين التعليم التربوي يسهم في تحسين التعليم العام باعتباره المعني بإعداد المعلم الذي هو ركن العملية التعليمية. وهذا يعني أن كليات التربية والمعلمين للجنسين التابعة للتعليم العالي (سابقاً) هي الركن الأساسي الرابط بين التعليم العام والتعليم العالي. كلمحة تاريخية، العديد من تلك الكليات كانت مرجعيتها وزارة التربية والتعليم، التي تم دمجها مع وزارة التعليم العالي، بغض النظر عن مسماها، فألحقت بالتعليم العالي باعتبارها تصنف ضمن التعليم فوق الثانوي، وهو ليس ضمن اختصاصات التعليم العام، أو لنقُل لأنها فشلت نوعياً تحت إدارة وزارة التربية والتعليم السابقة. وبعد ضمها للتعليم العالي لم يتم تطويرها بالشكل المأمول، بل إن العديد من الجامعات لم تدمجها حتى مع كلياتها، وتعاملت معها بشكل فوقي، أبقاها معزولة، بدليل أن بعض الجامعات أسست وكالات خاصة بتلك الكليات، وقامت بوضع مبانٍ شبه مؤقتة لها، تم بناؤها على عجل بدلاً من تأسيسها ضمن مقارها الجامعية الفخمة والدائمة؛ ما أسهم في بقاء تلك الكليات - وبخاصة كليات المعلمات - معزولة عن كيان الجامعات. باختصار، فشلت أغلب الجامعات السعودية، وبمباركة من وزارة التعليم العالي السابقة، في تحويل كليات المعلمين والمعلمات إلى جزء كامل العضوية فيها، وفشلت في عملية الدمج بين كليات الجامعة، التربية بالذات، وكليات المعلمين المنضمة لها، دمجاً حقيقياً لا يجعلنا نعرف الفرق بين كلية معلمين سابقة وأي كلية أخرى تابعة للجامعة.
التعليم التربوي لدينا وما في حكمه، كإعداد المعلمين، لم يتطور، بل تراجع بشكل مخيف؛ قاد ويقود إلى تخريج معلمين ومعلمات يشتكي منهم قطاع التعليم العام، ويشتكي منهم أولياء الأمور والطلاب وغيرهم. وبسبب ذلك، ولكون العملية التعليمية سلسلة من الحلقات المرتبطة ببعضها، عادت الكرة إلى ملعب التعليم الجامعي بمخرجات متواضعة من التعليم العام.
بمعنى آخر: فشل التعليم التربوي قاد أو ساهم في فشل التعليم العام، وفشل التعليم العام قاد ويقود أو يساهم في تردي التعليم الجامعي. أدركنا ذلك، وأشبعناه نقداً، فجاء الحل الأخير بدمج الوزارتين بكامل عدتهما وعتادهما معاً في وزارة واحدة. ليس المجال هنا لنقاش إن كان ذلك مبرراً كافياً لدمج الوزارتين أم لا، لكن حجر الزاوية في نجاح فكرة الدمج بين الوزارتين هو التعليم التربوي.
البعض يقترح تمثيل كليات التربية في مجالس التعليم المحلية، وهي فكرة معقولة؛ ليستفاد من خبراتها. والعكس بوجود ممثلين للتعليم العام وبشكل كاف في مجالس الكليات التربوية مهم؛ ليستمع مسؤولو كليات التربية إلى صوت الميدان التعليمي، وشكواهم من مخرجات كلياتهم. تلك أفكار جيدة، لكننا نحتاج لعمل أكثر من مجرد تكوين مجالس شكلية. وليست مسؤوليتي هنا حصر الطرق الملائمة لذلك.
وزير التعليم مهتم بقراءة تجارب التعليم في دول العالم، وبخاصة ما يتعلق منها بوضع المعلم. وعليه؛ فهو يدرك أهمية المعلم. تحفيز المعلم أو عقابه عمل ميداني (تكتيكي)، لكن الاستراتيجية المهمة التي يجب أن تقودها الوزارة يجب أن تركز على نقطة الأساس المتمثلة في إعداد المعلم. من الواضح أن تلك الاستراتيجية غير متوافرة في الوقت الراهن؛ وبالتالي فإن الوزارة مطالبة بالبدء في حلقات نقاش وعصف ذهني مع الخبراء والمفكرين من الداخل والخارج لصياغة رؤية لكيفية إعداد وإيجاد المعلم القادر على تحقيق التطلعات في الوصول إلى تعليم متقدم ومتطور. الاستراتيجيات الكبرى لا تصنع بالقرارات الإدارية والحماس الفردي.