د. محمد عبدالله الخازم
العمل الدبلوماسي جميل النظر إليه من بعيد، حيث يعتقد البعض أن التنقل من دولة لأخرى يشكل فسحة عالمية طويلة. لكن ما لا يعلمه البعض هو معاناة الدبلوماسي جراء التنقلات والغياب الدائم عن أرض الوطن. إضافة للقلق نتيجة المخاطر التي تسببها طبيعة المهنة الدبلوماسية وتقييدها حرية التنقل والعيش.
أول المتاعب تتمثل في عدم استقرار أسرة الدبلوماسي، فأبناؤه كلما قضوا بضع سنوات في بلد وأصبح لديهم أصدقاء اضطر أن ينقلهم لبلد آخر عليهم أن يبدأوا التعايش فيه من جديد، والتعود على أناس وربما لغة جديدة فيه. حتى أثاث المنزل الشخصي وتأسيسه لا يستطيع الدبلوماسي القيام به كما يريد لأنه في حال ترحال دائم.
يتغرب الدبلوماسي فلا يتاح له بناء منزله بأرض الوطن وينقطع عن مجتمعه السعودي، حضورياً وليس معنوياً. وعندما يترجل من رحلة العمل الدبلوماسي يعود للوطن فيجد نفسه لا يملك منزلاً ويحتاج مشوار سنوات أخرى ليستقر في بلده وحينها قد لا تساعد الصحة ولا العمر لفعل ذلك. يعود يبحث عن استقرار أبنائه وبناته في بلدهم الأم، لكنهم حينما لا يجدون مسكناً مناسباً يساعدهم على التأقلم التدريجي في المجتمع يبدأ حنينهم للدول التي عاشوا بها أثناء عمل والدهم، وتبدأ قلوبهم مشتتة بين هنا وهناك...
عندما ناقش أو اقترح مجلس الشورى الاهتمام بتوفير آلية تسهم في توفير مساكن للدبلوماسيين، كان ذلك على استحياء رغم أنها مطالب مكررة. وزارة الخارجية لم تتعامل مع الموضوع بجدية كافية بحيث تقدم مشروعاً واضحاً في هذا الشأن. رغم أن العديد من مسؤوليها عمل دبلوماسياً ويدرك المعاناة سواء في شخصه أو في زملائه الدبلوماسيين. وبالمناسبة ليست المطالبة هنا بمساكن مجانية، رغم استحقاق هذه الفئة لها، بل بإيجاد تسهيلات -على أقل تقدير- تمنحهم الأولوية وتيسر لهم الحصول على مساكن لائقة بهم. حتى إسكان وزارة الخارجية لم ينمُ من سنوات طويلة ولم يتوسع بما يناسب التوسع في أعداد الدبلوماسيين ولم يخصص منه شيئاً للدبلوماسيين المتقاعدين...
إضافة للسكن، يطالب الدبلوماسيون بإيجاد تأمين طبي داخل المملكة لهم وأسرهم سواء كانوا على رأس العمل أو متقاعدين. لا نريد دبلوماسياً يتحسر على وضعه ويتمنى أن بقي في بلد ما لأجل العلاج أو السكن، فبلده فيه الخير الكثير والتقدير الكبير لأبنائه ومنهم الدبلوماسيون الذين تغربوا في البلدان لأجل تمثيل بلادهم خير تمثيل.
الجانب الآخر الذي لم يناقشه مجلس الشورى يتمثل في الإصرار على عدم تجاوز بقاء الدبلوماسي في بلد ما أكثر من أربع سنوات، إلا من حصل على استثناء خاص بذلك. وإذا تم حسابه فعلياً نجد أن جزءاً منه يحتاجه الدبلوماسي ليستقر في البلد الجديد وجزءاً ليكمل إجراءات انتقاله من دولة لأخرى، حتى أن البعض يرى أن العمل الفعلي لا يصل لأربع سنوات كاملة. هذا النظام تم تجربته وحان وقت تقييم آثاره وإيجابياته وسلبياته، بما في ذلك حساب تكاليفه على الدولة وعلى الدبلوماسيين. وحبذا لو أخذت مرئيات أصحاب الشأن وليس العاملين بالوزارة أو أصحاب الاستثناءات من هذا النظام. أقترح تغيير فترة الإيفاد لتكون ست سنوات بدلاً من أربع، أو جعلها اختيارية ما بين أربع وست سنوات. حفاظاً على الاستقرار الاجتماعي والتعليمي للأبناء وتقليص خسائر الدبلوماسي الشخصية المتمثلة في شراء سيارة والبحث عن منزل وتأثيثه والبحث من مدارس للأولاد وغيرها من الأمور. انتقال الدبلوماسي بين بلدين أقل كلفة وأفضل اجتماعياً ومهنياً من التنقل بين ثلاث دول، خلال اثني عشر عاماً..
إذاً، أهم مطالب الدبلوماسيين هي تسهيل امتلاك مساكن، الحصول على تأمين صحي، وزيادة فترة الإيفاد إلى ست سنوات.