زكية إبراهيم الحجي
صناعة أي قرارٍ مهما كان نوعُه أو حجُمه هو بمثابة عملية محورية وجوهرية تتنافس فيها الآراءُ والأفكار.. وتتقابل فيها الرؤوس والسلطات لتصل في نهاية الأمر إلى تحديد وصياغة القرار النهائي ومن ثَمَّ اعتماده ليصبح في حكم التنفيذ.
ولا شك بأن صناعة القرارات السياسية في أي دولة من الدول هي عملية متداخلة وقد يصعب الفصل بين مكوناتها وقد يكتنفها كثير من الغموض نظراً لتداخل مجموعة عوامل فيها..
منها الداخلية ومنها الخارجية.. إلا أن ما يزيدها غموضاً وتعقيداً عندما يكون لعنصر بشري واحد أحادية مفرطة وبيروقراطية متعجرفة في حسم الأمر واتخاذ القرار النهائي متجاهلاً النخب أو الجماعات الأخرى ما يعنى وأداً تاماً وقسرياً لآراء وأفكار وتفاعل ومشاركة كل من له الحق في صنع القرار السياسي.. وما يؤسف له حقاً أن هذه الحال تنطبق على بعضٍ من دولنا العربية.
من يستغرق في تأمل مشهد ما يحدث في بعض من أجزاء الوطن العربي ويتابع تفاصيله المركبة وأصواته المتباينة وتطوراته المأساوية المتلاحقة يدعوه للتساؤل.. ترى هل بقي في العقل العربي قدرة على التفكير والرؤية الثاقبة الشاملة بعد أن ساءت والتهبت الأوضاع فيها حتى أننا لم نعد نبصر سوى تجليات لعجز شامل أفضى إلى تنافس دول إقليمية لإيجاد منافذ لها داخل مناطق الصراع العربية.. ناهيك عن انتشار الجماعات الإرهابية والتكفيرية بشكل لم يسبق له مثيل
لقد بات الوضع في المنطقة العربية أشبه بريشة في مهب الريح بسبب هشاشة وانحطاط ونكوص فكره السياسي غير القادر على صياغة رؤية استراتيجية فاعلة ورادعة وترقى إلى مستوى الأحداث والتحديات التي تواجهها ونتيجة لذلك الضعف والنكوص وتلك الهشاشة التي غذتها قوى الضغط المتنافسة على الهيمنــة والصراع فيمن يكون له قصب السبق في السيطرة.. وما كان ذلك ليحدث لولا البيروقراطية والأحادية المفرطة التي غلبت على بعض صانعي القرارات السياسية في الوطن العربي مما جعل أجزاء كبيرة من هذا الوطن في حالة فوضى عارمة وصدامات طائفية وعقائدية ومواجهات بين أفراد شعب واحد لدولة واحدة.
ولما كانت القرارات التي تعمل على أساسها الدول بشكل عام تشكل الروح الحركية والتفاعلية التي تُنَظم من خلالها مسيرة الحياة لدولة ما سواء داخلياً أو علاقاتها مع العالم الخارجي.. لذلك فإن خطورة وأهمية صناعة القرارات خاصة السياسية لا بد أن تبنى على قواعد علمية وعملية قوية وفعالة وهذا لن يتأتى إلا من خلال المشاركة في الطرح والمناقشة والعمل على المفاضلة بين مختلف القرارات المتداولة بين المشاركين للخروج بقرار يعكس فلسفة وأيديولوجية وأهداف الدولة صاحبة القرار.
إن الظروف والمتغيرات التي يمر بها الوطن العربي إن بقيت كما هو واقع الحال اليوم.. وبقيت فئات أحادية تحتكر دائرة صنع القرار وتمنع آخرين من مستوى التأثير تحت حجج واهية فتلك الطامة الكبرى، حيث اللجوء إلى الانتماءات العرقية والمذهبية والطائفية التي هي بمثابة الملاذ الأخير لها كما هو حاصل اليوم في العراق وسوريا وغيرها من بعض الدول العربية.