د.علي القرني
كنت قبل أكثر من عام تقريباً قد كتبت مقالاً بهذه الصحيفة يشير إلى ضرورة أن ينشأ حلف رباعي لاحتواء الخطر الإيراني مكون من المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا والباكستان، وها هي ملامح هذا التحالف تظهر رويداً رويداً..
وعندما كنت أكتب هذا المقال كانت العلاقة السعودية التركية في أزمة والعلاقات المصرية التركية في قمة أزمتها نتيجة دعم تركيا لجماعات الإخوان.. ولكن كنت أرى أن إمكانية التحالف السياسي العسكري ممكن في ضوء المصالح المشتركة بين هذه البلدان الأربعة.
ويبدو اليوم أن الشرق الأوسط مقبل على رسم خارطة تحالفات جديدة نتيجة ما أحدثته عاصفة الحزم على المنطقة بشكل عام، واستجاب لها العالم بمسؤولية منطقية.. وقد أحدثت عاصفة الحزم خلخلة قوية في العلاقات السياسية والعسكرية في المنطقة، تحتاج إلى توقف حقيقي لدراسة إمكانية خارطة توازانات جديدة في المنطقة..
في البداية نعلم أن منطقة الشرق الأوسط وصلت إلى حالة ركود سياسي كبير لم تتحرك فيه المنطقة في أي اتجاه جديد واستمرت قضايا الصراع كما هي لم تتحرك إلى بدايات حلول. الوضع في فلسطين هيمنت عليه إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بأجندتها اليمينية المتطرفة واستطاعت هذه الحكومة أن تفرض واقع الجمود على مجريات الوضع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبات في حكم المؤكد أن الفلسطينيين أعلنوا التمرد السياسي على مفاوضات خاسرة مع نتنياهو، ولكن الجديد في هذا الملف هو انكشاف إسرائيل أمام العالم وتحديداً أمام الحكومة الأمريكية بأنها ليست مبالية بمحادثات سياسية مع الفلسطينيين بتاتا، وفي المقابل سيرفض الفلسطينييون الإملاءات الإسرائيلية، إضافة إلى التشهير بقادة إسرائيليين سياسيين وعسكريين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في غزة.. إذن الوضع لا يتحرك هناك.
أما سوريا فلا يزال الوضع يراهن دون تقدم عسكري حقيقي على الأرض لأي من الأطراف، ويستقوي النظام السوري لبشار الأسد سياسياً بروسياً وعسكرياً ومادياً بإيران، وهذا ما أطال أمد المعارك هناك لإبقاء نظامه حتى الآن.. ودخول داعش ضمن تخطيط استخباراتي سوري إيراني عراقي أسهم في تعقيدات كبيرة على الأرض. والعراقي لا يعيش حالة أفضل من سوريا نتيجة التدخل الإيراني السافر في الحياة السياسية في العراق ونتيجة الميليشيات الشيعية التي ارتكبت ولا تزال مجازر على الأرض، إضافة إلى تسليم الجيش في عهد المالكي الأسلحة والقوات العراقية لتنظيم داعش في محاولة لمعاقبة العراق من قبل المالكي..
وفي اليمن يشبه ما حدث في العراق حيث سلمت القوات اليمنية معسكراتها وأسلحتها للحوثيين وقاتلت إلى جانبهم، وهذا أشبه بتسليم القوات العراقية أسلحتها ومعسكراتها لتنظيم داعش، ويبدو أنه تخطيط إيراني واحد.. تم تطبيقه في العراق ثم في اليمن.. فقد استفاد الحوثيون من الخيانات للقيادات العسكرية اليمنية الموالية للمخلوع علي عبدالله صالح، وقد رسم هذه الخطة بالتعاون مع إيران، في أكبر خيانة وطنية في تاريخ اليمن على مدى التاريخ.. وحاول أن يخضع اليمن لهيمنة الحوثيين وإيران، كما حاول المالكي في العراق إيجاد هيمنة قوى إرهابية كالميليشيات الشيعية أو داعش على الأرض العراقية.. بتفاوتات معينة، ولكن بهدف واحد هو بعثرة الأوراق السياسية للسنة في كل من العراق واليمن.
هذا هو الواقع الذي تعيشه المنطقة، وإذا أمعنا النظر ودرسنا مسببات ودوافع هذه الأحداث سنجد أن إيران تقف وبقوة وراء هذا التخطيط العبثي بأمن الدول العربية في العراق وسوريا واليمن وغزة.. وتحاول إيران أن تفرض هيمنتها العقائدية والسياسية والعسكرية على المنطقة، ولم تكتف بهذه الدول بل لها مغامرات كثيرة في البحرين ومصر والسودان ودول إفريقية عديدة. لقد نذرت إيران ذاتها ومقدراتها المالية والعسكرية لصالح هدف هيمنتها في منطقة الشرق الأوسط، ونجحت خلال السنوات الماضية أن تفرض لها مكانة إقليمية معينة.
ولا شك أن عاصفة الحزم ولدت قناعات جديدة بأن تحالفات جديدة يجب أن تظهر لتصبح قوة إقليمية كبيرة تفرض أجندتها السياسية. ونعود إلى ما سبق أن اقترحناه قبل أكثر من عام أن تحالفاً رباعياً يجب أن ينشأ في منطقة الشرق الأوسط، بتحالفات رئيسة بين دول أربع هي المملكة ومصر وتركيا والباكستان، ومع المملكة بطبيعة الحال تقف أربع دول هي الإمارات والكويت والبحرين وقطر.. إلى جانب دول أخرى إستراتيجية كالأردن والسودان للانضمام لهذا التحالف السياسي الاقتصادي العسكري..