أحمد محمد الطويان
في الفترة بين 2003 و2006 تحديداً كان أغلبنا محللين ماليين، والقنوات التلفزيونية كانت تُظهر قدرات بعض «المتجرئين» على تحليل سوق الأسهم. ويأتي التطفل لرغبة في الشهرة، أو لحصول المحلل المزعوم على شهادة في العلوم المالية أو الاقتصاد، ويرى أنه قادر على التحليل ولو كان أداؤه التحليلي لا يختلف عن أسلوب الجدات في رواية الحكايات!
المجتمع في تلك الفترة كان متفاعلاً لدرجة أننا جميعاً كنا «خبراء ماليين». وعندما تستعر المنافسات في دوري كرة القدم، أو بمشاركة خارجية للمنتخب السعودي، يصبح الجميع «محللين رياضيين». أما في هذه الأيام فالمجالس تزخر بالخبراء العسكريين والاستراتيجيين، الذين يواكبون «عاصفة الحزم» بآرائهم التي تتعدى الرأي إلى ما يشبه الإفصاح عن معلومة عملياتية! وهناك من ظهر على شاشات التلفزيون، وكل مؤهلاته التي استُضيف بناءً عليها أنه ضابط متقاعد!
كيف ومتى أصبح الضابط المتقاعد خبيراً عسكرياً واستراتيجياً، ولم يمارس أو يتلقى دورات عليا في كلية الحرب أو كلية الأركان؟ وهذا - للأسف - يسيء لمن يظهرون، ويكون أداؤهم ضعيفاً ومهزوزاً أمام الكاميرا؛ فالخبرة التي كوَّنها المتقاعد في المجال العسكري لا تعني دائماً أنه يستطيع التحليل، وخصوصاً إذا كان مجال عمله إدارياً مسانداً أو تنفيذياً، لا علاقة له بالخطط والعمليات والتكتيك.. التحليل يحتاج في الغالب إلى رؤية وطرح فرضيات ومعرفة للواقع، وهو خليط بين الطرح الأكاديمي والميداني، لكن لا بأس بمن ارتدى البدلة العسكرية ولديه على الأقل شيء من الفهم. المشكلة في محللي المجالس والاستراحات الذين لا تتعدى خبراتهم تكتيكات لعبة «البالوت»، ومع ذلك لا يستحون من التحليل وإيهام من حولهم بأنهم يعرفون ما لا يعرفه «عامة الناس»!
ولأننا نتحدث عن التحليل والمعلومات فيجب أن نكون فخورين جداً بأداء قيادة وزارة الدفاع، التي يمثلها إعلامياً وبالظهور اليومي العميد أحمد عسيري، بصفته المتحدث الرسمي لعملية «عاصفة الحزم»، وهو يعكس الترتيب والتنظيم الرفيع لقيادة قواتنا المسلحة وقيادة عمليات عاصفة الحزم، كما أنه نموذج للضابط السعودي بثقافته وعلمه ورؤيته، وأن الصورة النمطية للضابط ظالمة وغير حقيقية، ولا يجوز تعميمها. ويعطينا العميد عسيري وغيره كثيرون خلف الكواليس أن التأهيل والتدريب في القوات المسلحة صنعا مقدرات فريدة وغير موجودة بهذه الجودة في جيوش أخرى. اليوم السعوديون هم من يقودون هذه العمليات، وهم من يضعون الخطط، ويقومون بالتنفيذ برفقة زملائهم في التحالف. وهذه فرصة رائعة ليتعرف السعوديون على طاقات وإمكانيات مميزة، أظهرها وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، ووظفها التوظيف السليم؛ ليشعر الجميع بالطمأنينة والثقة بالله، ثم بجيشنا ورجاله.
تنعم السعودية بالأمن داخلياً، حتى ونحن نقود عمليات عسكرية، وندافع عن حدودنا، وهذا من فضل الله، ثم بمجهودات وزارة الداخلية بقيادة ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف. ومن يهدد بالأعمال الإرهابية يعرف جيداً أن محاولة اختراق الأمن السعودي انتحار. وكم دحرت السعودية من المخططات التي لا يصدقها العقل لخبثها ومكرها. ولكن تأمين الداخل أيضاً يستوجب الحفاظ على وحدة الصف، وعدم الانجرار خلف من يريدون إحداث المشكلات وافتعال ما يقسِّم السعوديين بالتصنيف أو المزايدات. وفي الأزمات والأحداث المهمة يجب مضاعفة الحرص على المعلومات، ومعرفة مكر الدعاية والإعلام المضاد، وأن لا نكون صيداً سهلاً لمن يعملون على التثبيط والتحبيط.
أما ما يخص «هواة التعليق السياسي والعسكري» فأرجو منهم أن يعرفوا ويعترفوا بما قاله الجرجاني في دلائل الإعجاز «إذا تعاطى الشيء غير أهله، وتولى الأمر غير البصير به، أعضل الداء واشتد البلاء». ولكل منا ربما ما يتقنه أو يختص به، وإذا تعمق في حديث عن أمر بعيد عنه من باب محاولة خطف الأضواء يكون ممن يتحدثون بغير فنهم؛ ولا غرابة إذا جاء بالعجائب. الحديث في الشؤون العسكرية والأمنية والسياسية في هذه الظروف دون علم قد يجلب شروراً كثيرة. وحتى الزملاء الصحفيون في الصحف الإلكترونية خصوصاً يجب أن لا ينجروا خلف الإثارة والسبق الصحفي وإظهار خبراء.