أحمد محمد الطويان
في 21 ديسمبر قابل صحافي يمني أحد أتباع الحوثي القياديين واحتدم النقاش بعد أن منع العنصر الحوثي الصحافي اليمني من الدخول إلى الحارة التي يسكن بها على أطراف العاصمة صنعاء، وقال له مستهزئاً وهو يحشو «القات» في فمه المترهل: «سنصل إلى الرياض وباقي ما خلصت التخزينة» في إشارة إلى السرعة والقوة والتفوق! يتحدث هذا الحوثي بكل ثقة وغرور يعكس نوع الخطاب التعبوي الذي تستخدمه القيادات الحوثية.
هذه اللهجة المتعالية والمعنويات التي رفعها الوهم تحطمت مع أول طلعة جوية لتحالف «عاصفة الحزم» بقيادة السعودية.
تحاول إيران منذ وصول الخميني إلى السلطة في 1979 أن تستحوذ على المذهب الشيعي، وأن تبسط نفوذها في كل مكان، وأن تخدم مشروعها الكبير بتفتيت الدول وتأجيج الاحتراب الطائفي، والشواهد كثيرة، ولما تمثله اليمن من أهمية كبيرة جيوسياسياً واقتصادياً وأمنياً، غرست بذرة الحوثي، وأغرت حسين الحوثي بالدعم والتأييد لتحقيق طموحه المرتبط بما يمكن تسميته «الهاشمية السياسية» وباع الحوثي من أجل ذلك مذهبه «الزيدي» وساهم مع الجهد الاستخباري الإيراني في خلق تيار تحول إلى جماعة تتخذ من «ملازم تفسير القرآن» التي أطلقها الحوثي مرجعية عليا، ونفث فيها حسين الحوثي أفكاره المتأثرة بالخمينية، والتي تدعو إلى مشتركات مختلقة مع الإسلام السياسي الشيعي الاثني عشري، وتدعو في ذات الوقت إلى كراهية مختلقة أيضاً لأهل السنة والجماعة.
أرادت إيران أن تفرض نظاماً سياسياً تابعاً في جنوب السعودية، لتصبح المنطقة بين فكي كماشة، وراهن الإيرانيون على فهم خاطئ للسعودية، ولم تعط الرياض لطهران طيلة الثلاثين عاماً الماضية فرصة الانجرار إلى خانة التأليب المذهبي والاقتتال الطائفي، لأن السعودية باعتدالها الديني والسياسي لم ترغب أبداً في مواجهة «مقدسة» ذات طابع ديني، وقاومت المشروع الإيراني دون إخلال بالمبادئ السياسية والأعراف التي تحكم علاقات الدول، رغم أن سفراء طهران يبادرون بالتحية وإطلاق الابتسامات أمام الكاميرات، وخطيب الجمعة في طهران «لسان العمائم المتسلطة» يطلق التهديدات، وبقيت الحية ذات الرأسين تمارس السياسة باسم الدولة، والتأليب باسم الثورة، في ازدواجية كونت واقعاً مأزوماً في المنطقة.
دافعت السعودية عن المنطقة عندما استفحل الأمر ومع ذلك لا تعلن العداء المباشر لإيران، بل وقفت بوجه المخطط والأتباع والعصابات المتمردة التي رغبت في تحويل اليمن إلى غابة لذئاب الإرهاب بكل أشكاله، والذين يفضلون إخلاء الدول من شرعيتها، وتسييد ثقافة العصابة والمليشيا، أعلنت السعودية مساندة اليمن من خلال تحالف كبير، تحرك بناء على طلب يمني، وحرصاً على استقرار وأمن السعودية والمنطقة، وحظي بمساندة الأمم المتحدة في قرار عمل عليه أبناء المملكة الحازمون في الرياض ونيويورك والدول الحليفة، ولم تحصر السعودية جهودها في محاربة الحوثي، بل كل عنصر متمرد على الدولة اليمنية، والهدف الأكبر هو تحقيق الأمن وإعادة الشرعية وتفكيك أي تنظيم إرهابي يسعى لدمار اليمن.
السعودية الرسمية ترفض تماماً أن تكون الحرب على التمرد والإرهاب حرباً طائفية، ولو كان الحوثي سنياً أو ينتمي لأي ملة أو مذهب آخر كانت ستواجهه المملكة بكل بقوة، وهي كذلك تحارب إرهاب قاعدة اليمن المتحالفة مع الحوثي والذين يلتقون في ذات المصالح، ما يجب أن يعيه الزيديون في الداخل اليمني قبل غيرهم أن عاصفة الحزم تحارب الحوثي لانقلابيته وإرهابه وعمالته وتمرده وليس لزيديته التي لا يمثلها أساساً، وأهداف عاصفة الحزم تتحقق وفق المراحل التي تسير بها بحسب ما يطلعنا به المتحدث العسكري بكل شفافية مساء كل يوم، وأرى الألم في وجوه المعمم الحاقد على كل ما هو عربي حسن نصر الله أمين الحزب الإيراني في لبنان، وكل أتباعه وأنصاره، وهو في حالة تخبط ويصرخ على قدر الألم الذي أحدثه تحالف عاصفة الحزم.
السعودية منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز لم تتعامل مع الملفات السياسية والأمنية بضعف أو تردد، وكان الحلم حاضراً والحكمة لا تفارق القرار السياسي السعودي، وعندما حان الوقت انطلقت الصقور بأمر الملك المظفر سلمان لتثبت للجميع بأن السعودية قوة حقيقية، تؤدب بشجاعة أي قوة وهمية جائرة تقتات على الخيانة.
تحالف عاصفة الحزم لم يعتمد على أحد، ولم يربط قراره بأحد، ولم ينتظر عوناً من أحد، وجاءت المواقف السياسية المؤيدة والمشجعة، لتؤكد بأن القيادة السعودية تتخذ القرار المناسب دائماً في الوقت المناسب، وأكد ذلك قرار مجلس الأمن الذي صدر بانتصار يحسب للدبلوماسية السعودية الذي أيد الإجراءات التي اتخذتها السعودية وحلفاؤها لإعادة الشرعية لليمن.