سيعيش العالم بعد ساعات الاحتفاء بنهاية رقم وبداية رقم جديد، انقضت اثنا عشر شهراً حملت جنون السياسة، ورصاصات الدمار، ونهايات وبدايات وحكايات وذكريات.. عام مضى ونحن نردد أمنيات الأعوام السابقة. قد تتمنى الثراء، والنجاح العملي أو العلمي، والزواج،، كل هذه أمنيات شخصية لك الحق الكامل بأن تتمناها وترجو بأن تمطر السماء ذهباً وفضة وأن تسند ظهرك على جذع شجرة زيتون وارفة الظلال، ما لا يجوز تمنيه فقط ما يتعلق بالسياسة، ففي السياسة
ينجح من يفكر ويعمل ولا يكثر الأمنيات وحديث الأحلام، ولا يجوز في السياسة أن تحلم بالمستحيلات وأنت لا تملك الحد الأدنى من مسببات تحقيق الحلم، لذا من الواجب أن لا يسرف الحالمون في أحلامهم السياسية ويكتفون بالأحلام والأمنيات الشخصية، ففي ضربة ربما تكسب ورقة الحظ في الياناصيب، أو تتبدل حياتك من حيث لا تدري، وتكتشف أن لك مورّث في البرازيل، أو تلتقي بفتاة أحلامك أو تلتقين بفارس أحلامك.
في كل عام عودتنا مجلة التايمز أن تختار شخصية العام، ولأننا في عصر صحافة المواطن كما يطلق عليها، ورغم تحفظي على المصطلح إلا أني قررت اختيار شخصية العام وأعلن عن اختياري هنا في زاويتي المتواضعة في صحيفتنا الكبيرة والمتألقة، وأنت عزيزي القارئ عزيزتي القارئة شخصية هذا العام، أنتم تصنعون إنجازات العام، والأعوام لا تغيركم بل أنتم من يغيرها ويميزها.
مجلة التايمز تحتفي بنهاية العام على طريقتها، ووسائل الإعلام تحتفي بحسب بيئاتها وجمهورها، وتتناول كل وسيلة إعلامية هذا الحدث بأسلوبها..
كل وسائل الإعلام الدولية تقريباً تحرص في نهاية كل عام على استعراض حصاد العام مثلاً، وهذه خطوة جيدة لمعرفة ما دار طوال عام من الطبيعي أن يكون ثري بالأحداث والمتغيرات، ولكن أن يبقى الحصاد مادة إخبارية لا تغير رؤيتنا لأحداث عامنا الجديد فهذه مشكلة، لأن حاضرنا تبنى أحداثه على ماضينا، والمستقبل لن يبنى إلا على حاضرنا وماضينا، لنحسن التعامل مع المتغيرات والمفاجآت يجب أن نستشرف العام الجديد ونحن في أعلى التلة التي كومت رمالها أحداث مضت.
وسائل إعلام أخرى تروج للوهم، أو للتوقعات والتبصير، وهذه بدعة لبنانية استشرت، ويظهر من يدعون علم ما لا يعلمه بشر في الساعات الأخيرة من ليلة رأس السنة، وهناك كثير من الناس يصدقون ويتفاعلون وهذه طبيعة بشرية، لكن تزايد الاهتمام والتعلق بهذه السخافات يعني أن المتتبعين للعرافين يعيشون إحباطاً كبيراً ويريدون قشة طافية في محيط مشكلاتهم لتنقذهم من الغرق.
مع نهاية هذا اليوم سينتهي 2014 بكل ما فيه وما له وما عليه، ماذا أعددنا للعام القادم، كثير من الناس يعقدون العزم على التغير في العام الجديد، وبداية يناير ستكون بداية تخفيف الوزن لدى البدناء، وبداية التفكير بالزواج عند العزاب، وبداية الإقلاع عن التدخين لمن أبتلي بالتدخين، وبداية التغير في الوظيفة والبيت وإدارة المدخرات أو البدء في الادخار، أقول لكم وأنا واحد منكم التغيير لا يكون بكبسة زر، التغيير بحد ذاته منهج وسلوك، ومن يريد التغير عليه أن يجرب شيئا أسهل ربما، علينا جميعاً تجربته، وهو «التجدد» لنتجدد في طريقة تفكيرنا أولاً، علينا أن نقنع عقولنا قبل أن تتمنى قلوبنا، وعلينا أن نفتح صفحة جديدة مع أنفسنا، أن نتصالح مع النفس التي احتملت خيباتنا، ورضيت طائعة بسوء اختياراتنا، لنتكلم بصراحة مع عقولنا، وأن نعرف جيداً بأن السنة أولها كآخرها، مجرد أرقام تتغير تمضي من أعمارنا وخسارة كبيرة إذا لم تضف لنا شيئاً جديداً.
افرحوا ولكن لا تسرفوا بالفرح، لا يختلف العام الجديد عن سابقه إذا لم نفكر بإيجابية، وإذا لم نعمل ونجتهد، وإذا كنت ستفرح بعام جديد عليك أن تفرح يا عزيزي الإنسان باليوم الجديد والساعة الجديدة والدقيقة الجديدة، نحن نتجدد حسياً كل ثانية، ونبقى معنوياً على حالنا، تغيرنا الظرف ولكن لا نصنع ظرفاً يجددنا ثم يغيرنا للأفضل.
قبل الثانية عشرة ليلاً بتوقيت الرياض الغالية، تأمل عاصمة هذا البلد العظيم، وانظر بعد الثانية عشرة عندما يتحول التقويم في هاتفك المحمول إلى يناير 2015 لن تتغير ملامح المدينة، نعم الرياض لا تحتفل وفي ذلك حكمة، بعيداً عن أي أمور دينية أو عادات اجتماعية، الرياض تعلمنا بأن الأعوام تحتفي بك وبروسخك وبإنجازاتك ليس أنت من يحتفي بها، دع الأعوام تسجل إنجازاتك، لا تنسب نجاحك أو فشلك لعام دون آخر، الأرقام المتغيرة تؤرخ لنا، ونحن من يصنع الوهج ويحقق الإنجاز.
كل يوم وأنتم بخير....