د. فوزية البكر
تبدو بلادنا هادئة جداً بالنظر إلى أنها في حالة حرب ضد الحوثيين (وليس ضد اليمن الشقيق)، فكل مظاهر الحياة اليومية لدولة شابة ونشطة تجري كما المعتاد، بل إن الأحاديث المتناقلة وحتى نكات الواتس آب (التي تبدو أحياناً سمجة وسوداوية) لا تبدو كذلك في هذه الأيام، وهو ما يعني ثقة المواطن بقيادته التي تمكنت في ظروف (الربيع العربي الصعبة)، ومع اختلاط الأوراق والمعادلات وحالة الفوضى المربكة التي تعيشها معظم الدول العربية أن تتخذ قراراً سيادياً بمثل هذه الخطورة، مما أعطى للجميع الأمل في لمِّ بعض الشتات العربي المبعثر.
الذي يدهشني هو حالة اللا قلق التي ألاحظها عند الكثيرين، وربما يعود ذلك في جزء منه إلى حقيقة أن المملكة تمكنت من اتخاذ قرارها في وقت مناسب جداً للحالة العربية، وهي حين فعلت ذلك فعلته عبر بناء تحالف إقليمي قوي يجمع عشر دول عربية وبمباركة منظمتين عالميتين هما: جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، إضافة إلى أن رئيس دولة اليمن بذاته كان قد طلب التدخل السعودي حماية لبلاده من الانزلاق إلى الهاوية.
ورغم مشكلات اليمن (السعيد؟؟!!) الكبيرة التي ليس أقلها الفساد السياسي والمالي والفقر والقات، فلا مواطن عربي يرغب في أن يتكرر لليمن ما يحدث في سورية وليبيا، وما حدث وما زال في العراق من فوضى ومذابح طائفية وعرقية مخيفة لا يربح منها إلا رؤوس الشياطين (؟؟؟) وجامعو الأموال في كافة مناطق الاضطراب المحيطة بنا.
المذهل هو الموقف المخجل الذي اتخذه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وذلك بعد كل ما فعلته المملكة له (ولعلنا نتذكَّر أشلاءه المحروقة بعد حادث انفجار المسجد) الذي كان سيقضي عليه لولا رحمة الله به، ثم النجدة السعودية التي أقلته سريعاً لينال أحسن الخدمات الطبية هنا في السعودية كما تعودت دولتنا مع كافة أشقائها، حين يكونون في حاجة، فيعود (كالشيطان) بعشرة أرواح ليتحالف (بغرابة شديدة) مع الحوثيين (وهو الذي قاد ضدهم ست حروب سابقة خلال ترؤسه لدولة اليمن)، وذلك ضد السيادة الوطنية اليمنية، ولم يكتف بذلك بل أرسل ابنه (الذي طردته دولة الإمارات بالأمس من أراضيها كسفير لليمن)، ليفاوض السعودية ليس على مطالب وطنية تحفظ دماء اليمنيين وأرضهم، بل على مطالب شخصية لزيادة ملياراته التي نهبها من شعبه وتحقيق مطامحه الشخصية وابنه على حساب اليمنيين (يمكن التعرف على هذه المطالب الشخصية من خلال الاستماع إلى الفيديو الذي سرّبته قناة العربية عن اللقاء بين ابن علي عبدالله صالح.. ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان). سماع هذا الفيديو سيُؤذي اليمنيين الذين قادهم علي عبد الله صالح لأكثر من ثلاثين عاماً، وامتص كل ثرواتهم الوطنية والمادية والمساعدات التي قُدمت لهم ليكوّن ثروته الشخصية التي تُقدّر بأكثر من اثنين وثلاثين ملياراً في بلد يتجاوز سكانه 25 مليون نسمة 60% منهم يعيشون تحت خط الفقر، و13 مليوناً منهم لا يتمكنون من الحصول على مياه صالحة للشرب، إضافة إلى أكثر من 250 ألف نازح من دول إفريقية يعيشون ذات الأوضاع المأساوية، بل أسوأ حيث يتردى حال الجميع بتردي الأوضاع الأمنية والقلاقل السياسية التي لا تهدأ في هذه البلاد الجميلة.
لا نتوقع أن الجميع في اليمن يقف معنا في حربنا ضد الحوثيين، لكننا نتلمس موافقة الغالبية العظمى من أبنائه على التدخل السعودي حماية للبلاد من الانزلاق في أتون حروب أهلية وصراعات إقليمية لا يدفع ثمنها غير المواطنين اليمنيين، (فالأغنياء منهم كوّنوا ثرواتهم واستقروا خارج اليمن وتركوه لأتون الحرب)، وليس أدل على ذلك من التقارير التي تظهر من اليمن نفسها لوكالات الأنباء العالمية والتي تظهر الآلاف من أفراد الشعب اليمني يمشون بمظاهرات داعمة للتدخل السعودي، رافعين صور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان والذي قارنته مؤسسة بروكنز للدراسات والأبحاث في دراستها بين رفض الشعب العراقي تدخل الجيش الأمريكي، حيث لم يرفع أحد صور الرئيس أوباما، في حين امتلأت الأجواء العامة في اليمن بصور العاهل السعودي.
بالطبع علينا أن نتذكر أن بدء الحرب ربما يكون في الغالب أسهل من إنهائها، وهو الأمر الذي أثبتته التجارب الأمريكية في المناطق العربية المختلفة التي حاولت التدخل فيها، ومُنيت بتجارب مريرة لعدم وضعها كافة أطراف المعادلة في الحسبان، وكما ذكر تقرير بروكنز الآنف الذكر وبالحرف الواحد (فإن إزالة حزب من السلطة أسهل كثيرًا من إعادة بناء دولة وإعادة التصالح داخلها)، ولذا فمن المهم (أخذ الدروس من فشل أمريكا ببناء الدول في العراق وأفغانستان)، وذلك عن طريق دفع الأشقاء اليمنيين إلى التصالح والعمل جنباً إلى جنب باحترام الشرعية الرسمية للدولة المنوطة بتملُّك السلاح والتصرف فيه، وهو ما يبعد أجواء المليشيات التي حاول الحوثيون فرضها على الشقيقة اليمن.
عُرفت المملكة العربية السعودية طوال تاريخها بالرغبة في السلم والعزوف عن التدخل في شؤون الآخرين، لكن حين يصل الخطر الطائفي إلى خاصرتها الجنوبية، فهي مضطرة لقطعه قبل أن يستفحل، وهو ما حدا بها إلى هذه الخطوة التي رآها بعض المراقبين سريعة ونشطة بالنسبة للدبلوماسية السعودية المحافظة، لكن ما يجري على الأرض لم يترك الكثير من الخيارات أمام السعودية والتي حققت نصراً جلياً ثانياً باستصدارها قرار إنشاء قوات عربية مشتركة في قمة شرم الشيخ الأخيرة، مما يعني أن السعودية اليوم ستكون لاعباً قوياً وذكياً وعربياً إسلامياً يحفظ الدم والكرامة العربية - بإذن الله -.