د. خيرية السقاف
ولئن قيل: «إن شر البلاد بلاد لا صديق فيه»، فإنه قد قيل: «كل غريب للغريب نسيب»..
وبما إن أعداد الغرباء من أبنائنا في دول العالم كثيرة، فإن كل البلدان شر عليهم فيها ما لا يعرفونه من مخابئها، وأسرارها, ما لم يكونوا لبعضهم نسباء.., وما لم يكن كل واحد منهم عضد الآخر ينتشله من الجهل ويعينه على الغربة وينير له ظلمة طريق لا يضاء إلا بوجود أنيس يكفيه, وصادق يكون إليه..
مع أن الترحل للمكاسب مجدٍ, ونتائج السفر والاغتراب منفعة, وإضافة, وتزيد الخبرات بالتزود من التعرض لمختلف المحكات, ولا يكبر في المرء عقله وتنضج مداركه وتصقل ملكاته وتبرز مواهبه إلا بمزيد تعرض لشموس العقول وتجارب الحضارات ومنافع الثقافات، إلا أن غالبية الذين يترحلون للدرس لا يكون همهم الأول هو هذه المكاسب والحصول على المنافع والتزود بأوزان من الخبرات المثمرة، بل يعودون بما لا يختلف فيه اثنان، بمظهر طامس للهوية, وبلسان جاحد للغة الأم, وبمحاصيل مختلطة من توجهات ليست على ما يرام في مفهوم صحة المكاسب التي يذهبون وكل البلاد تتوسمها فيهم حين يعودون..
لكن، إن تفكروا فيما بعثته فيهم حمية الوطن، والاحساس بحاجاته, ومتانة العلاقة الروحية به، وبمسؤوليتهم نحو كل مكاسبهم التاريخية ديناً، وعروبة, وأصولاً، وأخلاقاً، وفكراً، وحضارة كل هذه الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية, ودول المسلمين، وبعض من يجاورنا، ومطامع من يطمع من الآخرين في بلادنا، وخيراتها، وفي موقف هذه البلاد الناصع فإنهم حتماً سيعيدون صياغة سلوكهم الفكري نحو أن يلفظوا في أسفارهم، ومراحل غربتهم كل شرور تؤثر في مكاسبهم, وينتقوا ما يضيف، ويعزز خبراتهم.. ليكونوا حقاً رسل هذا الوطن العظيم جميعهم بل استثناء.., يعينون بعضهم بعضاً, ويقيلون عثرات بعضهم بعضاً حين يصبحون في الغربة الصديق لبعضهم، والنسيب لكلهم..حفظهم الله، ووفقهم.