د. خيرية السقاف
ساعدت، ومكنت سرعة الإعلام الجديد من الوصول إلى أوسع المساحات، وإلى أكثر الشرائح من الناس، فتوالدت في هذا الخضم ظواهر من السلوك الطارئ في الأفراد، تحديداً عند أولئك القارعين الطبول، والضاربين على الصفيح، والراكضين خلف أي غرض، أو خبر، أو صوت يرددون ما يقال، ويزيدون في البهار...
ظهر منهم المنافقون كما ظهر الكاذبون، وظهر منهم النائحون كما ظهر المبهِّرون، ظهر منهم المزيدون والمرجفون،..
لكن أشدهم وقوعاً في مغبات التساهل والاتباع هم أولئك الذين لا يرون غضاضة في أن يلوكوا في شؤون الآخر بلا حساب..!
تجدهم ما إن يكتب عن خبر عن أحد إلا كانوا هم أول «المفصفصين» لجملته، وكلمته، وحرفه، الملونين لمعانيه، والمضيفين لمقاصده.. والناقلين له كما الريح..!
وما إن يعتلي أحد، أو يسقط آخر إلا تبادروا بالمبالغة في الثناء عن الأول، والمبالغة في القدح في الثاني..!
وأشد ما يؤسف أنهم لا يرعون حرمة لكائن من كان حين يلحقون من الظلم بمن يشرِّحون، وينقدون، وظنهم أن ما يقولونه في الناس من باب الصراحة، والصدق، وحرية التعبير، بل الأدهى أنهم يظنونه حقاً لهم، لا باطل فيه..
والله تعالى في محكم هداه ينهي عن الأذى، وظلم الآخرين لا قولاً، ولا فعلاً..
وحرم زلات اللسان فجعلها طريقاً للعقاب..
ورفع قدر الخلقاء الذين إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما،...
ولئن أتيح نظاماً وعُرفاً أن تدلي الناس بما ترى، وأن تشارك برأيها بلا تردد..،
وللجميع حرية التعبير وإن جاء عن شخصيات عامة، قد وضعت أعمالها، ونتائج تصرفاتها عياناً للناس لأن تقول..،
غير أن هناك ما يحكم قول الناس فيها أدباً، وتأدباً، وحياءً، ورفقاً، وترفعاً، وخشيةً..
ولئن سقط عن مقعده رجل اعتلاه ولم يعطه حقه من الجد، والتجرد، والمأمول كائناً من كان، وفي أي مرتبة ومكان..، فإن هذا لا يعني أن يجعله الناس لقمة سائغة فيما يكتبون، ويعلّقون، ويتقابلون، ويبرزون، ويتنابزون في مجالسهم، وفي وسائل اتصالاتهم، وفي مقالاتهم، وبرامج فضائياتهم، وذيول أخبارهم، وتعقيباتهم..
ذلك لأن الخلق يقتضي الترفع عن المزيد المؤلم، والمزيد الجارح، والمزيد الفضفاض..
وغير هذا السلوك ليس من شيم المتقين الذين إذا نطقوا تحرّوا، وإذا عبّروا احترزوا، وإذا مُنحوا الباب أحسنوا الخطو عنه نحو الأفضل، والأرقى، والأصفى..
فصفاء النفوس ميزانه ما تقول ألسنتها،...
وميزان ما تقول هو موقفها الوقور في نقطة احترام قيم التعامل، والتبادل حتى عند الاختلاف حين تترفع عن الخوض، والتمادي في التعريض بالآخر، ترفعاً أمثل يقتضيه حسن الخلق، وشيم النبلاء..!