محمد سليمان العنقري
أقرَّ مجلس إدارة الهيئة السعودية للمهندسين في اجتماع عقده قبل حوالي عشرة أيام خطته للتحول الإستراتيجي والتي يسعى لتنفيذها بدورته الخامسة الحالية، فالهيئة مضى على تأسيسها أكثر من 13 عاماً إلا أنها الآن توصلت لمحاور خطتها التي ارتكزت على العديد من النقاط والقرارات لكن واقع القطاع الهندسي ما زال ضعيفاً بجوانب عديدة لم تضيف الهيئة منذ تأسيسها الكثير من احتياجات هذا القطاع المهم بخلاف اعتماد الشهادات العلمية والإكاديمية خصوصاً للوافدين الذين بموجب النظام يعد تسجيلهم لممارسة المهنة بالهيئة إلزامياً.
وبالنظر الى المحاور الكبرى لخطة الهيئة الإستراتيجية نجد أنها ستعتمد برامج تأهيلية مميزة لتطوير قدرات المهندسين السعوديين والذين بموجب النظام تسجيلهم بالهيئة اختياري، حيث يصل عدد المسجلين إلى قرابة 12 ألفاً من أصل حوالي 40 ألف مهندس من الجنسين وتهدف هذه البرامج لرفع كفاءة القيادة والمنافسة العالمية للمهندس السعودي حسب ما ذكر، وهنا يظهر أمر غريب فهل لدينا فائض مهندسين حتى ننافس بهم عالمياً فعدد المهندسين الوافدين يفوق 130 ألف مهندس بينما عدد المسجلين بالهيئة يقارب 189 ألف تشمل المهندسين السعوديين والوافدين وكذلك الوافدون ممن يحملون مؤهلات هندسية بشهادات أقل من البكالوريوس أي دبلومات ومعاهد لكنها تخصصات هندسية، فالمنافسة إذاً بموجب هذه الأرقام هي محلية بامتياز للمهندس السعودي في سوق عمل ضخم، أما إذا كان المعنى الارتقاء بإمكانياته للمستوى العالمي فهذا المعنى فضفاض ولا يمكن القياس عليه أو أن المقصد منافسة الوافدين فهي لن تخرج عن معنى المنافسة المحلية والتي تنتهي بمجرد النظر للرقم الكلي لعدد المهندسين ونسبة السعوديين منه كون قدرتهم على تحصيل وظائف ليست هي المشكلة، بل الامتيازات التي يتطلعون إليها.
ولم تخرج بقية اهتمامات الخطة الإستراتيجية عن ما تردده الهيئة منذ سنوات كالتأهيل والتدريب ورفع الكفاءة للمهندسين وللمكاتب الهندسية وتنمية إيرادات الهيئة التي أفرد لها جانب مهم من الخطة شدد على استثمارها بالشكل الصحيح فهل كانت لا تستثمر بهذا الشكل الصحيح سابقاً؟! خصوصاً إذا ما علمنا أن موارد الهيئة كبيرة والتي يصل فيها رسم الاشتراك سنوياً ما بين 400 إلى 900 ريال حسب تصنيف المشترك والتي بالمحصلة لا تقل عن 75 مليون ريال سنوياً بينما مصاريف الهيئة تعد بسيطة قياساً بإيراداتها وتتركز بإنفاقها على موظفي الهيئة بنسبة كبيرة، إذ لا يوجد برامج إنفاق على المشتركين كتعويضات عجز أو عند التقاعد للسعوديين أو برامج اسكان أو تأمين طبي، فكل ما يقدّم للمشتركين هو خصومات بمحلات تجزئة وذلك لا يكلف الهيئة شيئاً بالإضافة لخصومات للدورات التدريبية وينطبق عليها ذات الأمر، حيث إن الخصومات تقدمها المحلات عموماً لمنسوبي الجهات والشركات والهيئات من باب التسويق وضمان وجود زبائن دائمين عندها فلا بد أن ينظر لهذه الاستثمارات وأموال الهيئة كما ينظر للمال العام وأن تحدد أوجه إنفاقه وتتوسع بما ينعكس على المشترك حتى لا تتضخم دون أن تحقق فائدة اجتماعية واقتصادية مناسبة.
ومن اللافت أنه تمت إعادة تشكيل لجنة ستتخصص بملف الكادر الهندسي وهو الذي مر على طرحه سنوات طويلة دون أي إنجاز فيه، فمن الواضح أن الهيئة عجزت إلى الآن أن تقنع الجهات الحكومية المعنية كوزارات الخدمة المدنية والمالية بدعم تغيير الكادر الهندسي كما حدث مع الكادر الصحي وإذا كان القرار لا يصدر منها كما هو معروف إلا أن دورها مقر لدى الجهات ولها الحق بمناقشتهم والمساهمة بالحلول لإقراره فالضرر كبير على خطط التنمية من عدم اعتماد هذا الكادر، فالمهندسون بالقطاع الحكومي رواتبهم قليلة قياساً بالقطاع الخاص بينما مسؤولياتهم أكبر بتنفيذ المشاريع والحد من تعثرها ولذلك فإن ما نسمعه من لوم المهندسين السعوديين للهيئة بأنها لم تحرك ساكناً بهذا الملف يلمس إلى الآن هم معذروون فيه ويدل على أن الهيئة تسير بخطوات بطيئة ولا تفعل دورها كما يجب مع كل الجهات الحكومية التي ستستفيد من رفع محفزات جذب المهندسين لها لتنفيذ اعمالها بمستوى عال والمحافظة على الخبرات لديها التي تتسرب للقطاع الخاص.
لا جديد عملياً بخطة الهيئة الجديدة ونتمنى أن ينتقل ملف تطويرالقطاع الهندسي ليأخذ كامل الاهتمام من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الموقر فهذا القطاع يعد ركيزة أساسية بالتنمية وتوسيع الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد خصوصاً بالمجالات الصناعية والإنشائية وإذا ما حلّت كل المعضلات التي تواجهه حالياً فإنه سيكون داعماً كبيراً لتسريع عجلة النمو وتقليص حجم تعثر المشاريع ورفع كفاءة إنجازها ورفد كل القطاعات بالأعداد المناسبة من المهندسين السعوديين بمختلف تخصصاتهم لرفع نسبتهم لتتعدى 70 إلى 80 بالمئة خلال العشر السنوات القادمة بدلاً من ما يقارب 30 بالمئة حالياً عبر التوسع بالقبول الجامعي إلى ضعف الحالي ورفع معايير القطاع بكافة أوجهه من خلال جهات عديدة تكون هذه الهيئة المنسق بينها ولكن مع تطوير للوائحها ودورها وآليات عملها عن ما هو قائم حالياً والذي لم يثمر بنتائج تتناسب مع احتياجات اقتصادنا ومستقبله.