أ.د. إبراهيم بن محمد قاسم الميمن
إن من نعم الله العظيمة ومننه الكثيرة وفضله الواسع علينا في هذه البلاد المباركة والوطن الغالي المملكة العربية السعودية، أن قيَّض لنا قادة صالحين وحكاماً مخلصين، يقومون بنصرة هذا الدين الحق، وتحكيم شرع الله، حتى أضحت هذه البلاد درة بين الأمم، متفرِّدة في نظام حكمها الصالح وحكامها الراشدين، مما جنبها الفتن والمحن التي أصابت الكثير من بلاد المسلمين، وضربت أروع الأمثلة في اللحمة والتماسك والتعاضد، والتكاتف، والوقوف صفاً واحداً ضد أهل الضلال والأهواء ودعاة الفتنة، الذين يرومون خلخلة الوحدة، وشق الصف، وإحداث الفرقة وهيهات أن يخلصوا إلى شيء من ذلك، وهذا كله من حفظ الله تعالى لهذه البلاد، ولما قامت عليه من أسس وثوابت شرعية، ووعي من الجميع بهذه المخاطر والفتن والأبعاد الخفية والمعلنة، إلا أن أهل الضلال وأرباب الفتن من الصفويين وذيولهم من الحوثيين ومن شايعهم من أهل الباطل وأرباب المصالح، لا يزالون يمارسون بعض الأساليب الماكرة التي تدغدغ العواطف، وتحرك الفتن، وتجيش العامة والدهماء، ويستغلون الثغرات، ويعظمون الأخطاء، ويحسنون القبيح، ويقبحون الحسن، ليصلوا إلى مآربهم، وهذا التهديد الصفوي الحوثي المجرم، لم يهدد أمن اليمن الشقيق واستقراره والشرعية فيه فحسب، وإنما هدد جميع دول الجوار، بل حمل في طياته تهديداً وخطراً كبيراً على العروبة والإسلام.
ولذ يجب علينا جميعاً أن نتحمَّل مسؤوليتنا أمام الله عزَّ وجلَّ ثم أمام ولاة أمرنا - أيَّدهم الله - فظروف الوقت لا تسمح بالتعامي أو التغافل، أو التركيز على جزئيات، أو خلط الأوراق، بل يتطلب الأمر وقفة صادقة، وتحركاً حازماً حكيماً من كافة أفراد هذا الشعب، لنصل في النهاية إلى المثالية في الحب والولاء والانتماء، بهمم عالية تتجاوز التحريك المصطنع، وتتعالى على جهود المرجفين والمغرضين إلى كلمة سواء يتعامل معها الجميع عبودية لله، وحماية لهذا الوطن الغالي، والله غالب على أمره.
ومن هنا تأتي أهمية الروح المعنوية العالية التي يجب أن يتحلَّى بها كل فرد من أفراد هذا الوطن الغالي، بل كل مسلم صادق، والتي تعني المشاعر الإيجابية النفسية والقلبية التي يشعر بها كل مواطن نحو وطنه وولاة أمره، ويشعر بها المواطنون نحو بعضهم البعض، ونحو مكونات وطنهم، وهذا يعني التفاؤل والود والتعاون بين أبناء الوطن، وتدفع الجميع إلى العمل والجد، والتكاتف والالتفاف حول قادتهم وولاة أمرهم.
والروح المعنوية العالية لا يمكن إدراكها إلا عن طريق آثارها التي يمكن ملاحظتها في سلوك الأفراد، والتي لا تظهر عادة إلا في النوازل والملمات، وتعكس ثقة المواطنين في ولاة أمرهم وعلمائهم فخراً واعتزازاً ولحمة وفداءً للوطن بالنفس والنفيس، كما تظهر جليةً إذا ما رام مفلس أن يطعن الوطن، أو يحدث نفسه بالاعتداء عليه أو تهديده، حينئذ تظهر هذه الروح في الدفاع عن الوطن وقادته والذود عنهم، وتحمل المسؤولية بجد واقتدار.
وحينئذ لا بد من العمل على اكتمال الأسباب، وتلمس مواطن الضعف وتجاوزها بما يمكن من جهود متضافرة ليصل الوطن بمكوناته إلى أعلى درجات العلو في الروح المعنوية.
و من أبرز سمات الروح المعنوية، ارتباطها أساساً بالبعد الإيماني, والجانب الغيبي، والوعد الأخروي من خلال تنزيل الحكم الشرعي والنصوص الواردة فيه على واقع معين, بحسب فهم الراسخين في العلم,وإلى هذا الجانب المهم الذي يشكل بمجموعه صورة الروح المعنوية تشير الآيات في صدر صورة الأنفال, التي ذكر الله فيها صفات المؤمنين بقوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ .
إلى أن قال تعالى بعد ذلك مبيناً ما تثمره هذه المقدمات الشرعية من قناعات ومبادئ تنعكس على السلوك والفعل ليكون من يحملها يواجه المخاطر بكل ثقة واطمئنان وتحد للمصاعب كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ .
قال العلامة السعدي - رحمه الله -: (قدم تعالى - أمام هذه الغزوة الكبرى المباركة - الصفات التي على المؤمنين أن يقوموا بها، لأن من قام بها استقامت أحواله وصلحت أعماله، التي من أكبرها الجهاد في سبيله. فكما أن إيمانهم هو الإيمان الحقيقي، وجزاءهم هو الحق الذي وعدهم اللّه به، كذلك أخرج اللّه رسوله صلى الله عليه وسلم من بيته إلى لقاء المشركين في (بدر) بالحق الذي يحبه اللّه تعالى، وقد قدره وقضاه.
وإن كان المؤمنون لم يخطر ببالهم في ذلك الخروج أنه يكون بينهم وبين عدوهم قتال.
فحين تبين لهم أن ذلك واقع، جعل فريق من المؤمنين يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ويكرهون لقاء عدوهم، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون.
والحال أن هذا لا ينبغي منهم، خصوصاً بعد ما تبيَّن لهم أن خروجهم بالحق، ومما أمر اللّه به ورضيه، فبهذه الحال ليس للجدال محل فيها لأن الجدال محله وفائدته عند اشتباه الحق والتباس الأمر،. فأما إذا وضح وبان، فليس إلا الانقياد والإذعان.
هذا وكثير من المؤمنين لم يجر منهم من هذه المجادلة شيء، ولا كرهوا لقاء عدوهم، وكذلك الذين عاتبهم اللّه، انقادوا للجهاد أشد الانقياد، وثبتهم اللّه، وقيَّض لهم من الأسباب ما تطمئن به قلوبهم كما سيأتي ذكر بعضها... فوعد اللّه المؤمنين إحدى الطائفتين، إما أن يظفروا بالعير، أو بالنفير،.فأحبوا العير لقلة ذات يد المسلمين، ولأنها غير ذات شوكة، ولكن اللّه تعالى أحب لهم وأراد أمرا أعلى مما أحبوا.
أراد أن يظفروا بالنفير الذي خرج فيه كبراء المشركين وصناديدهم، وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} فينصر أهله {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ أي: يستأصل أهل الباطل، ويُرِيَ عباده من نصره للحق أمراً لم يكن يخطر ببالهم).
فها هي الروح المعنوية في أعلى درجات استعداداها وقوتها بالوعد الإلهي والعمل الصالح الذي يثمر السكينة والطمأنينة, حتى تقدم التضحيات وتسترخص النفوس في هذا السبيل الإيماني التعبدي, وهذا الشأن الذي ذكره الله تعالى فيما حصل للمؤمنين في الصدر الأول مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو الرسول المبلغ والقائد الذي كان أشجع الناس يمكن أن تتحقق في أي عصر بتحقق مقوماته, وأبرزها ما ذكره الله في الآية من صفات للإيمان تتضمن ما يجب على المؤمنين في خاصة أنفسهم وما يوجبه الاجتماع والانتظام في مواطن الخطر من الالتزام والالتفاف والتوحد, ومحاربة أدواء النفوس, وإذا كان هذا في مقابل المهددات التي تواجه المجتمع من أعداء الخارج فإنها في أدواء المجتمع الداخلي تنطبق بصورة واضحة على ما ورد في هذه الآيات.
وهنا تبرز الأهمية البالغة للروح المعنوية العالية بعد القرار الحكيم الحازم الحاسم الذي اتخذه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - نصره الله - وإخوانه الذين شاركوه القرار من قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وقادة الأمة العربية والإسلامية، ببدء عملية الحزم بتوجيه ضربات عسكرية لمعاقل الحوثيين الرافضة، ومن يساندونهم من الصفويين المجوس، لنبذ الخلافات وتوحيد الصفوف لتحقيق الأمن والاستقرار، وتجمع الكلمة، وتأليف القلوب، وقطع الطريق على المتربصين والمفسدين والمرجفين.
أسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وأمننا، وأن يرد عنا كيد الكائدين، وإرهاب المعتدين، وأن يحفظ لنا مليكنا وقائدنا ووطننا آمناً مطمئناً، وأن يديم علينا نعمه، ويسبغ علينا فضله، كما أسأله أن يجمع كلمة الأمة ويوحد صفها ويعيذها من الأهواء إنه سميع مجيب.