الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فإن البيان الموفق المسدد الذي صدر من هيئة كبار العلماء، في الثاني والعشرين من هذا الشهر، والمسبب بما يعد من مقاصد الشريعة وقواعدها وثوابتها، والذي انطلقت فيه الهيئة من كلمة إمامنا ومليكنا خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - يكتمل به العقد، ويتم به المقصد، وتجتمع به الكلمة، وتأتلف به القلوب، لأنه من جهة لها وزنها وأثرها، وهو دور لا يستهان به في دولة تحكم بالكتاب والسنة، وتتحاكم إليها وتطبق شرع الله في الدقيق والجليل، وتجتمع كلمة العلماء مع ولاة الأمر فيما يخدم هذا الدين، ويحارب كل مظاهر الغلو والتطرف والإرهاب التي ألصقت به زوراً وبهتاناً، ويوصله بوسطيته وروحه ومضامينه إلى العالم أجمع، فهو بيان غاية في الأهمية، يضاف إلى منظومة القرارات والبيانات الصادرة من علمائنا - وفقهم الله - وهذا البيان صورة معاصرة من إجماع علماء المملكة على رفض واستنكار هذه الأفعال النكراء، والجرائم الشنيعة التي تعد إفساداً في الأرض بكل ما تعنيه عناصر الإفساد من معنى، فهي فساد حسي ومعنوي، وفساد في مقابل صلاح تام، والشريعة بمواردها ومصادرها الدالة على أحكامها قد جاءت لهذا المقصد الرئيس، بل كل الشرائع السماوية جاءت بهذا المقصد، فهذا شعيب عليه السلام يقول: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ}، وموسى عليه السلام يقول لأخيه هارون {وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى فيما أنزله عليه: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}. وخطورة التصرفات الإرهابية صدورها من جماعات وتنظيمات إرهابية، تؤدلج الأفكار، وتسمم العقول، وتثير في المجتمعات الانقسام والفرقة، وتعزز الولاءات الحزبية التي تطغى على كل انتماء، فيصبح الولاء والبراء من أجلها، وفي سبيل هذه الولاءات تنتقص الأصول، وتهدم المبادئ، وعلى رأس تلكم الجماعات ما أوضحه بيان الداخلية المسدد الذي وضع النقاط على الحروف، وسمى جماعات أوضح الرصد والاستقراء أنها أساس في تلكم الأفكار الإرهابية، وتأجيج العواطــــف، وتهييـــــج الشباب، وتحريضهم علـــى كل تصرف يخل بمقاصد الشرع في الجماعـــة ولإمامة، ويؤدي إلى العنف والمواجهة كما هو حاصل، ومن أبرزها جماعة الإخوان المسلمين، وجبهة النصرة، وتنظيم القاعدة، وداعش، وما دار في فلك تلكم الجماعات، فجاء بيان هيئة كبار العلماء موضحاً الأصول الشرعية، والمقاصد المرعية، وحمل في طياته النصح والبيان، وهذا هو الدور المنتظر من العلماء، وهو ما يعين ولي أمرنا - أيده الله - في المواجهة، على اعتبار أن الخطاب الشرعي، والبيان من أعلى جهات الفتيا هو المحرك الرئيس لكل شرائح المجتمع، فنحن محكومون بأحكام الإسلام، ونمتثل ونسلم لما يصدر عن علمائنا، وهذه هي مسؤوليتنا وقدرنا، وسنجني ثمار ذلك لحمة واجتماعاً وألفة تستعصي على دعوات الفرقة والاختلاف، وعلماؤنا قد سطروا موقفهم في هذا البيان الشرعي المؤصل المدلل المعلل, وتبقى المسؤولية الأهم في إيصال هذا الموقف إلى كافة شرائح المجتمع وفئاته وعلى الأخص الشباب، الذين اختطفوا وغسلت أدمغتهم، وأُدخلوا في متاهات هذه التنظيمات، وشوهت صورة ولاة الأمر والعلماء لديهم، فمسؤوليتنا في البيان والنصح، والقرب منهم وحوارهم، والنزول إلى مستوياتهم كي نحميهم من هذه المخاطر والأفكار الضارة، والمسؤولية كبيرة، وكل ما يتحقق الهدف به من فعالية أو منشط أو عمل أو حوار يتفق من كلمة العلماء، فهو مطلب في هذا الظرف، ولن يفيدنا الخطاب العمومي، أو الإجمال والوعظ، وإنما نحتاج إلى ما يكشف الأفكار، ويزيل اللبس، ويجيب على الشبهة، ويوضح لنا المخرج منها، وهذا كله يتطلب تضافر الجهود وتكاملها لتفعل التوجيهات والأوامر الملكية والبيان الرسمي من الداخلية معتمدة على الأصل الشرعي الذي تضمنه بيان هيئة كبار العلماء، والأمل بالله أن ينحسر الخطر، ويدرأ الخطر، وأن ترتد جهود المفسدين والمعتدين والإرهابيين عليهم، ويرونها في أنفسهم. أسأل الله أن يحقق ذلك، وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا، ويوفق ولاة أمرنا وعلماءنا إنه سميع مجيب.