الحمد لله القائل: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. (الأنفال آية 63)، والصلاة والسلام على من جمع الله عليه القلوب، وجعل بعثته ورسالته رحمة، وأقام به الحجة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً، أما بعد:
فالحمد لله على قضائه وقدره يوم أن اختار إلى جواره حبيب الشعب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى وأحسن العزاء فيه- ثم الحمد لله والشكر له على نعمة من أجل النعم، ومنة منه على هذا الوطن الكبير يوم أن جمع القلوب، والتقت الأفئدة والمشاعر، وبايعت القلوب قبل أن تبايع الأيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-, وولي عهده الأمين الأمير مقرن بن عبدالعزيز -حفظه الله-, وولي ولي العهد النائب الثاني الأمير محمد بن نايف -حفظه الله-, إنها والله لمن أجل النعم التي تستحق منا جميعاً الشكر الدائم والمستمر، وهي تحقيق لأعظم مقاصد الشريعة ألا وهو: لزوم جماعة المسلمين وإمامهم امتثالاً لوصية النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: (... تلزم جماعة المسلمين وإمامهم...)، فرغم المصاب الجلل إلا أن النعمة تمت بهذا الانتقال الذي سر المؤمنين، بل أدهش الآخرين، وهو استمرار لنعمة الولاية الشرعية، والحكم الراشد، فلله الحمد من قبل ومن بعد.
وما تحقق من ألفة ولحمة ليدل على أن الله تعالى أكرم هذه البلاد بقادة عظماء اجتمعت عليهم الكلمة، وقويت بهم اللحمة، والقادة العظماء هم الذين يصنعون التاريخ، ويقيمون الحضارات، ويسطرون البطولات، وبقدر ما يوجد في أمة من الأمم قادة عظماء مخلصون بقدر ما يرتفع شأنها بين الأمم، والناظر في دولة آل سعود المباركة يجد فيها من الثوابت الشرعية وعلو القدر ورفعة الشأن وسمو المنزلة ما لا يجده في أي أمة من الأمم، حتى قال علامة العراق محمد بهجة الأثري: «إن الله جدد بالدولة السعودية دينه في كل قرن من القرون الثلاثة الأخيرة الماضية الأمر الذي لم يصطف الله له دولة قبلها ولا بعدها منذ عهد النبوة والصحابة والأتباع».
وهذه المقولة الحق مردها إلى ما أنعم الله تعالى به على هذه البلاد وخصها به منذ تأسيسها على يد الإمام محمد بن سعود رحمه الله، حيث قامت على عقيدة التوحيد الخالص لله رب العالمين، وتخليص الناس من جميع المعبودات الأرضية، وتعبيدهم لله رب العالمين، كما أنها طبقت شرع الله في كل شئونها كما أمر الله ورسوله، ثم ما كان من توحيدها بعد ذلك على يد الملك الصالح المصلح الإمام/ عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود يرحمه الله، وإعلائه لكلمة الله ورفعه لراية التوحيد خفاقة عالية، وعدم ارتضائه لأي حكم أو شرع إلا لله تعالى، فضلاً عن عنايته وأبنائه البررة من بعده بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، وخدمة الحجاج والمعتمرين وغير ذلك من أعمال الخير والبر التي شملت عموم المسلمين في كل مكان، بل شملت أهل الأرض جميعاً حتى أصبحت وبحق دولة الإسلام ومهوى أفئدة الأنام، حتى قال شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله: «إن هذه الدولة السعودية بأدوارها التي مرت عليها وخصوصًا في هذا العهد هي أقرب ما تكون إلى الخلافة الراشدة»، ويقول شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى: «لو ما يأتي من هذه البلاد إلا تحقيق التوحيد لكفى».
وإلى هذا السر المكين يعزى ما نراه متجسدًا في واقعنا إلى يومنا هذا, وسيظل بإذن الله, حيث نرى اللحمة قوية متينة بين الحكام والمحكومين, ينطلقون في ذلك من أمر الله, ويتعبدون لله بذلك, فحكامنا الميامين, وولاة أمرنا الأوفياء, وقادتنا الأماجد العظماء من آل سعود البررة الذين حملوا الأمانة بحق جيلاً بعد جيل كلما قضى إمام وحاكم قام فينا من يخلفه على النهج حماة لتوحيد الله، محققين لإخلاص العبادة لله ومحبة الدين وأهله وخدمة الشريعة والدعوة بكل ما يستطيعون، ويحرصون أشد الحرص على إسعاد مواطنيهم، وتحقيق متطلباتهم، وإحقاق الحق, ونشر العدل, وإقامة حكم الله فيهم, مترسمين منهج سلف هذه الأمة, وهم أقرب الناس إلى شعبهم محبة وعطفًا وشفقة, قلوبهم مفتوحة, وأبوابهم مشرعة, فبادلهم الشعب حبًا بحب, ووفاءً بوفاء, وأثبتت مواقف المحن, وأزمنة الفتن أنهم معدن ثمين, وكنز نفيس, يظهر أصالته في هذه الأزمات, لينحسر عن لحمة متأصلة تستعصي على الفرقة والاختلاف -بإذن الله-.
وقد تجسدت هذه الوحدة الوطنية في بلدنا الحبيب ووطننا الغالي وبرزت مقوماتها الشرعية, وعاشها الشعب السعودي بصورتها وحقائقها وثوابتها, ولا يعني ذلك أنها سلمت من المهددات, أو لم تواجه عوائق وعقبات, لكن بفضل الله وحده, وحفظه لهذه الدولة, ثم باستشعار المسؤولية الفردية والجماعية مرت فتن وحوادث ونوازل حمى الله مملكة الوحدة والإنسانية من هذه المؤثرات, وكانت قيم المواطنة الشرعية سياجًا يحمي الوحدة الوطنية.
وإن ثبات هذه البلاد أمام التحديات المختلفة إنما هو بتوفيق الله وعونه أولاً، ثم بحنكة وبراعة قادته واصطفاف أبناء الوطن خلفهم، ويعاد ذلك إلى وعي هذا الشعب الوفي بهذه الأصول الشرعية، في الجماعة والإمامة والبيعة، ووعيه بالمهددات، والفتن والمتغيرات، وهذا مابرز جلياً في يوم المحنة بفقد إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وكان ما خفف الألم، وفوت الفرص، وسهل الأمر بالانتقال السلس للسلطة والحكم بصورة أبهرت العالم وأثبتت قوة الأسس وأصالة المبادئ وتحقق بذلك اجتماع الكلمة على أحد الرجال والقادة العظماء المخلصين من أبناء الإمام الموحد خادم الحرمين الشريفين الملك/ سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- وهو قائد محنك وعلم أشم وطود شامخ، ورمز من رموز الإنسانية في مملكتنا الحبيبة أفنى عمره وكرس حياته لخدمة وطنه وأمته، واصل الليل بالنهار ليتسنم هذا الوطن ذرا المجد ويناطح الجوزاء.
إنه سليل هذه الدوحة المباركة وابن هذه الأرض الطيبة الطاهرة الذي عمل هو وإخوانه الكرام بكل طاقاتهم بتفان وإخلاص ليكملوا مسيرة المؤسس صقر الجزيرة -المغفور له بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- لبناء مجد هذا الوطن الغالي والتضحية بكل غال ونفيس في سبيل رفعته ليتبوأ مكان الصدارة في العالمين وليحظى بالمكانة التي تليق به بين دول العالم.
وإذا كانت عظمة الرجال تتضح وتظهر بأفعالهم قبل أقوالهم فخادم الحرمين الشريفين الملك البار الوفي/ سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- رجل الأفعال لا الأقوال، فقد ألفه المواطنون قليل الكلام كثير الأفعال، وأعماله العظيمة الخالدة خير شاهد، فهي ظاهرة كالشمس في رابعة النهار يرى أثرها ويستشعرها كل مواطن ومقيم على تراب هذا الوطن الغالي.
فلقد بدأ -حفظه الله- منذ نعومة أظافره رحلة البذل والعطاء لهذا الوطن العزيز الذي يعيش في قلوبنا جميعاً، فمنذ الصغر وطوال عمره وهو يعمل بكل جد وإخلاص في كل المجالات فلا تكاد تجد مجالاً إنسانياً أو دعوياً أو علمياً أو اجتماعياً أو خيرياً إلا وله فيه بصمة ويد وعلامة، فلم ينفك مؤسساً أو رئيساً أو داعماً أو راعياً للعديد من المؤسسات والجمعيات التي تقدم خدماتها لكل أبناء وطننا الغالي، وإن جهوده -حفظه الله- في تطوير مدينة الرياض وما هي عليه الآن وما وصلت إليه من تنظيم وتطوير وعمارة وجمال ضاهت به أعظم المدن العالمية العصرية لأصدق دليل وخير شاهد على ما نقول.
ثم كان من توفيق الله تعالى وفضله على هذه البلاد اختيار أميرنا المحبوب الإنسان ورجل الدولة الفذ صاحب السمو الملكي الأمير/ مقرن بن عبدالعزيز -يحفظه الله- ليكون وليّاً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، هذا القائد المحنك ورجل الدولة الفذ الذي عرف عنه -يحفظه الله- اهتمامه بالعلوم والمعارف والثقافات، والأبحاث إضافة إلى اهتماماته باستخدامات التقنية، والحكومة الإلكترونية وتطبيقاتها، كما يرأس سموه العديد من المجالس والجمعيات المتخصصة، فنعم العضد ونعم المعين، واكتمل العقد الثمين واتصلت الولاية وتم المقصد بالاختيار المسدد، والاصطفاء الموفق لرجل من الجيل الثاني من أبناء المؤسس، ورث المجد من جده وأبيه قاهر الإرهاب، وربان سفينة الأمن، إنه الأمير الشهم صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن نايف بن عبدالعزيز ليكون وليّاً لولي العهد ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية ونسأل الله تعالى أن يمد خادم الحرمين الشريفين وولي العهد وولي ولي العهد بعونه وتوفيقه في خدمة الدين والمليك والوطن.
وهذا الاختيار يدل على قوة اللحمة، والوعي التام بالمخاطر والمهددات كما أنه دليل عمق معرفة القيادة الحكيمة الراشدة بالرجال، وحكمتها في اتخاذ القرار، وقدرتها على تقدير المواقف، وتغليب المصالح، واعتزازها بإعلاء شأن الشرع، وإصرارها على قطع الطريق على الفساد والمفسدين وأرباب الفتن، واغتنمها فرصة لأجدد البيعة لهم، وأحمد الله على نعمة ولايتهم، وعلى هذه الوحدة التي بها عز الإسلام والمسلمين.
فاللهم أدم علينا الأمن السعادة في وطننا الغالي، واحفظ قادتنا وولاة أمورنا من كل سوء وبارك لنا في قائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين الملك البار الوفي/ سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وفي ولي عهده الأمين وولي ولي عهده، وأسبغ عليهم جميعاً ثوب الصحة والعافية وأطل في عمرهم على طاعتك وأحفظهم من كل سوء ومكروه وهنيئاً للأمة السعودية والإسلامية والعربية بقائدنا وحبيب قلوبنا سلمان العز والوفاء والبر، والحمد لله رب العالمين.