د.عيد بن مسعود الجهني
إن الحق والخير بحاجة لقوة تحفظهما وتحميهما وتدافع عنهما. والحق أعداؤه كثيرون، وسيعملون جهدهم لمحاربة الخير. وبلادنا تملك أسباب القوة؛ وهذا يجعل الحق الذي ندعو إليه في منعة. ونحن ندرك أننا على حق، ومع ذلك فإننا بحاجة إلى (حيزوم) قوي، مثل حيزوم السفينة، تشق به عباب البحر المتلاطم والأمواج العاتية؛ لتستطيع التقدم والبقاء، ومن كل حاقد وطامع ومتربص..
والأمن هو ضمان استقرار الدول وقوتها، وراحة ورفاهية مواطنيها؛ فهو يأتي في مقدمة أهداف الدول. والمملكة شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين ورعاية الحجاج والمعتمرين والزوار منذ استقبالهم قادمين لأداء فريضة الحج والعمرة وتوديعهم مغادرين، وكذلك الوافدون العاملون في البلاد والزوار من مختلف أنحاء العالم، ينعمون بالأمن والاستقرار الفريد على أرض بلادنا الغالية.
هذه نعمة من الله لا تحصى، لا يدركها إلا من فقدها. قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأمن أو الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِه وَلَوْ رَدُّوه إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَه الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَه مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُه لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} النساء 82.
النص القطعي في القرآن الكريم يؤكد أهمية الأمن والأمان والاستقرار لبني البشر، وهذا الأمن لا بد له من قوة تحميه وتؤكده؛ لتجعله أمراً مقدوراً، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، فمن يهدد الأمن الداخلي يجب ردعه، ومن يجرؤ على تهديد الأمن من الخارج فقوة الدولة تقف له بالمرصاد بقوتها التي أمر الله بها. قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِه عَدُوَّ اللَّه وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّه يَعْلَمُهُمْ} الأنفال 59.
هذا الأمن المقصود ليس مسؤولية الدولة وحدها، لكنه مسؤوليتها ومعها مواطنوها؛ فهم جميعاً سهم قوي يوجَّه إلى كل معتدٍ أو خائن أو حاقد أو طامع.. فكل من هؤلاء لن يمنحوا فرصة العبث بأمن واستقرار البلاد التي نزل على أرضها الوحي على خاتم الأنبياء محمد - صلى الله عليه وسلم -، وتتعلق بها أفئدة أكثر من 1.5 مليار مسلم متجهين في صلواتهم إلى بيت الله الحرام، وتقوم القيادة الرشيدة بخدمة الحرمين الشريفين، حيث يحج الحجاج إلى بيت الله الحرام. قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} الحج 26، ويزورون المسجد النبوي الشريف.
لذا فإن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - في خطابه (الوثيقة) أبان ذلك بوضوح لا بعده وضوح، عندما قال:
«إن الأمن نعمة عظيمة، وهو الأساس في رخاء الشعوب واستقرارها، وعلى الدوام أظهر المواطن السعودي استشعاراً كبيراً للمسؤولية، وشكّل مع قيادته وحكومته سدًّا منيعاً أمام الحاقدين والطامعين، وأفشل - بعد توفيق الله - الكثير من المخططات التي تستهدف الوطن في شبابه ومقدراته. ونقول لأبنائنا وبناتنا ولكل من يقيم على أرضنا: إن الأمن مسؤولية الجميع، ولن نسمح لأحد بأن يعبث بأمننا واستقرارنا»..
قلنا إن الأمن عموده الفقري قوات الأمن الداخلي وقوات الدفاع؛ فهما صمام الأمان لدفع عجلة الأمن والاستقرار؛ ليصبح كل مواطن آمناً في سربه. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا» رواه البخاري.
إذاً الأمن يعني في أحد مفاهيمه (القوة)، والقوة تتجلى في هذا المضمون كحركة تاريخية عميقة الجذور، متنامية مستمرة.. ترتبط في كل الحالات بالسلم والحرب على جميع المستويات، المحلية والإقليمية والدولية. و(القوة) هي المقصود بتعريف الأمن بأنه القدرة على توفير أكبر قدر من الحماية والاستقرار للدولة وسيادتها وحمايتها ومواطنيها من التهديدات الداخلية والخارجية.
أدبيات القوة التي هي مرتكز قوي للأمن تبرز في كتابات (ماكيافلي) الفيلسوف الإيطالي الذي دخل التاريخ عام 1948 عندما تمزقت إيطاليا سياسياً، وتحطمت اجتماعياً.. في تلك الظروف الصعبة ساهم بفكره في المحافظة على النظام السياسي لتوحيد بلاده (بالقوة) قائلاً: إن هدف سياسة الدولة تتمحور في المحافظة على القوة السياسية.. والسياسة تقاس بمدى نجاحها أو فشلها في المحافظة على القوة، بل العمل على دعمها.. فالدولة صاحبة السيادة على أرضها تمثل قوة ترعى مصالحها وأهدافها في علاقاتها مع المنظومة الدولية.
والمملكة تُعد واحدة من أهم الدول التي سعت وتسعى لامتلاك (القوة) السلمية، وعلى مدى العقود الماضية وعملية التطوير والبناء لقوات الدفاع والأمن الداخلي والحرس الوطني مستمرة على قدم وساق؛ فالقيادة أولتها الرعاية والعناية التي تستحقها. وقد شهد العالم أجمع بقدرات وجاهزية القوات السعودية في حرب تحرير الكويت؛ فقد كانت هذه القوات الباسلة في مقدمة قوات عاصفة الصحراء، وهي التي أعلنت تحرير دولة الكويت؛ لتشم رائحة الحرية، وتعود إليها حكومتها الشرعية. وعندما حاول الحوثيون التسلل عبر نقطة من حدود المملكة قطعت القوات السعودية الباسلة أيديهم عام 2009م، فكانت القوات السعودية الجوية والبرية التي تعد في مقدمة أقوى الجيوش في الشرق الأوسط لهم بالمرصاد، وعادوا مهزومين من حيث أتوا.
وإذا كانت قواتنا السعودية محل رعاية قادة المملكة منذ عهد الموحد والمؤسس والمصلح الملك عبد العزيز وأنجاله (الملك سعود، الملك فيصل، الملك خالد، الملك فهد والملك عبد الله - رحمهم الله -)، فإن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يؤكد تلك المسيرة الظافرة مخاطباً القوات السعودية:
«ولأبنائي البواسل في قطاعات قواتنا العسكرية كافة أقول: أنتم محل القلب من الجسد، وأنتم حماة الوطن ودرعه، وكل فرد منكم قريب مني ومحل رعايتي واهتمامي، والوطن يقدر جهدكم وعملكم، بارك الله فيكم جميعاً، ونحن بصدد تعزيز قدراتكم بما يضمن - بإذن الله تعالى - حماية هذا الوطن، وتوفير الأمن والأمان للمواطنين».
والأمن يعكر صفوه واستقراره (الإرهاب)، مرض خطير وشر مستطير، هدفه زعزعة الأمن والاستقرار والاعتداء على الأنفس البريئة والممتلكات والتخريب والإفساد في الأرض، وديننا الإسلامي منه براء، فهذا الدين الحنيف يحترم الإنسان، ويحافظ على كيانه وسلامته وكرامته مهما كانت ديانته.. وحماية البشرية من الاضطراب وعدم الاستقرار.
والمملكة أولى الدول التي اكتوت بالإرهاب، وبفضل الله ثم بفضل قيادتها ومواطنيها وقواتها استطاعت هزيمة هذا الداء الخبيث الذي أصبح آفة عالمية؛ لذا فإن خادم الحرمين الشريفين أكد في خطابه التاريخي محاربة التطرف والإرهاب بجميع أشكاله وأياً كانت مصادره، والتعاون مع كل دول المجتمع الدولي وهيئاته الدولية للوقوف ضد هذه الآفة البغيضة لاجتثاث جذورها ومسبباتها.
ولا شك أن العالم سيستفيد من خبرات المملكة في مكافحة التطرف والغلو والإرهاب الذي أصبح علامة من علامات الحياة السياسية في هذا الزمن؛ فقوات أمنها الداخلي لها باع طويل في الوقوف في وجه هذا المرض الخبيث، ولم يأتِ انتصارها عليه بين عشية وضحاها، إنما عبر سنوات من التصدي القوي له بحزم وعزم، فلا يفل الحديد إلا الحديد، (فقوة) قوات أمننا الداخلي والخارجي أوقفت جرائم الإرهاب البشعة، مطبقين الدين الخالد الذي يحفظ الإنسان، ويستأصل المرض الذي يعكر أمنه، ويعتبر أن قتل الأبرياء من كبائر الذنوب وفظائع الجرائم، والاعتداء على الممتلكات وغيرها من الأعمال لا تقرها شريعة الإسلام، وليس من ديننا الحنيف، ولا تتوافق مع أصوله الشرعية.
والله ولي التوفيق.