د.عيد بن مسعود الجهني
يربط التاريخ الشعبين السعودي واليمني في بوتقة الشخصية العربية التي احتفظت بأصالتها وتشربت بالروح الإسلامية وبقيمها العظيمة ومبادئها القويمة، فكانا دائما شعبين متقاربين يحملان توجهات متقاربة.
وللشعبين تطلعات ورغبات وخيارات وآمال مشتركة، فالسعودية واليمن تشتركان في حدود جغرافية واحدة ولهما مصلحة مشتركة في توطيد الأمن والاستقرار في منطقة البحر الأحمر وشبه الجزيرة العربية.
وعلاقاتهما لها طابعها الخاص تضرب بجذورها في عمق التاريخ توثقت بوشائج الدين والدم واللغة والتاريخ والحضارة والجوار وتفاعلت عوامل الجغرافيا والعلاقات الإنسانية في جميع مراحل التاريخ والعصور التي مرت بالجزيرة العربية.وعبر مراحل التاريخ كانت المملكة وما زالت الداعم الرئيس لليمن عسكرياً وأمنياً واقتصادياً قبل الانقلاب على الإمام البدر في 26 سبتمبر 1962 وبعده، ففي أبريل عام 1957م تم في مدينة جدة التوقيع على اتفاقية مشتركة بين كل من المملكة ومصر واليمن، وقد نصت تلك الاتفاقية على تقديم الدعم المتبادل في حالة الاعتداء على واحدة منها، وهذه الدول أيضا موقعة على اتفاقية الدفاع العربي المشترك 1957م، وقبله على ميثاق الجامعة العربية والأمم المتحدة الذي يؤكد على الوقوف في وجه العدوان الظالم مهما كان مصدره.
المملكة هي صاحبة الأيادي البيضاء خيرا على اليمن السعيد وأهله حتى أن المملكة أسندت رئاسة مكتب التنسيق السعودي - اليمني الذي أسس عام 1399هـ إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، فضخت في عروق الاقتصاد اليمني أموالا طائلة لدعم برامج التنمية المتعددة الجوانب في ذلك البلد، مساجد ومدارس ومعاهد وجامعات ومستشفيات وطرق وكباري ومطارات وبنى تحتية.. إلخ.
وعندما تنازع اليمنيون فيما بينهم على (السلطة) هبت القيادة السعودية مسرعة للحفاظ على اليمن وأهله وسيادته وتجنيبه النزاعات والصراعات والحروب الداخلية فتبنت المبادرة الخليجية التي بموجبها تنازل على صالح عن الرئاسة للرئيس عبد ربه منصور هادي، بل إن المملكة استقبلت علي صالح عندما تعرض لحادث اغتيال وتمت عملية علاجه في بلاد الحرمين ليعود إلى بلاده!!
لكن كما يقول الشاعر (إذا أكرمت اللئيم تمردا) ما إن تخلى عن السلطة حتى بدأ مسلسل الخيانات وأولها انضمامه سريعاً إلى حزب الفرس طهران سادة الحوثيين الإرهابيين فعاثوا جميعا في البلاد فساداً في طول بلاد اليمن وعرضها لتحول اليمن من بلاد (سعيدة) إلى بلاد حرق شجرها وثمرها ودمرت مساجدها ومدارسها ومستشفياتها وجامعاتها، وهدمت البيوت على رؤوس أهلها.
إذا تعاون الفرس وأتباعهم الحوثيين وعلي صالح على شعب اليمن، صاحب الحضارة والتاريخ ليتحول وضع اليمن اليوم على يد هؤلاء ومعهم حزب الله والقاعدة وغيرهما من الفصائل الإرهابية، مهددا في أمنه واستقراره، فالحوثيون الذين تدعمهم إيران مثلهم مثل حزب الشيطان فهم حزب شديد الخطورة واضح الأهداف يؤمن بالانقلابات العسكرية المسلحة للوصول إلى السلطة بدعم إيراني صارخ وخيانة علي صالح لوطنه بالانضمام لهم.
ايران لا تخفي تدخلها بالشؤون الداخلية للدول العربية، وهي التي تحتل جزر الإمارات العربية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، والعراق في المفهوم السياسي والأمني والاستراتيجي تابع للفرس وسوريا ينطبق عليها نفس المصطلح وامتدادها بلغ لبنان حيث حزب الشيطان.
وهذا عند المجوس ليس كافيا بل منذ أكثر من عام والتخطيط الجهنمي بين علي صالح والحوثيين وإيران قائم على قدم وساق لاحتلال اليمن، وبدأ المسلسل باحتلال الحوثيين وصالح على صنعاء لتبدأ المدن الأخرى تسقط واحدة تلو الأخرى بانقلاب دموي على الرئيس المنتخب من جماعة إرهابية لا تمثل أكثر من (4) في المائة من سكان اليمن البالغ تعدادهم أكثر من (26) مليون نسمة وهذه فاجعة كبيرة وانتكاسة غير مسبوقة في تاريخ اليمن.
احتلت اليمن وحتى أكثر المتشائمين من العرب لم يكن يتوقع أن الأمر سينتهي إلى هذا المنعطف المؤسف الذي انتهى إليه، وما كان أمام الرئيس المنتخب هادي إلا التوجه إلى عاصمة العرب الرياض ليستقبله حكيم العرب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والشعب السعودي استقبال حفاوة وتكريم نابعة من كرم الضيافة والنخوة والشجاعة والمواقف البطولية التي عرف بها قادة المملكة وشعبها على طول التاريخ.
ولأن ما حدث ويحدث على أرض اليمن التي تشترك مع المملكة بحدود طويلة أكثر من 1400 كيلو متر، ولأن الامتداد الإيراني في مياه البحر الأحمر ومضيق باب المندب الاستراتيجي وعلى أرض اليمن الشقيق يعتبر في المفهوم الاستراتيجي تهديدا لسيادة المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي، والدول العربية كمصر والسودان وغيرها.
عند هذا المنعطف الخطير كان على المملكة أن تواجه الموقف بعد أن اتضحت أبعاد المؤامرة الضخمة (إيرانية - حوثية - علي صالح) وبتأكيد لا يقبل الشك في وجود هذه المؤامرة لتفتيت اليمن وتهديد جيرانه.
هنا بنخوة وشجاعة وموقف عرف به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على الفور لبى نداء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لإنقاذ اليمن وأهله مما آل إليه وحفاظا على أمن واستقرار وتضامن ووحدة العرب، ومن موقع خادم الحرمين الشريفين ومسؤوليته كقيادة سعودية مسؤولة عن وطن وشعب ومكتسبات ضخمة، حسم الموقف وقال كلمته للعالم والتاريخ.. أصدر قراره (عاصفة الحزم) جاء القرار على مستوى الظرف من حيث السرعة والحسم والشجاعة والحكمة والقدرة على اتخاذ القرار الصعب وقبلت المملكة بالتحدي.. وسرعان ما تكون تحالف عربي قوي بقيادة المملكة للتصدي للظلم والعدوان.
القرار كبير والنتائج ستكون إن شاء الله تاريخية تؤكد صحة القرار وصواب الطريق وسيكتب التاريخ لخادم الحرمين الشريفين الذي اشتهر بالتروي والحكمة والواقعية والفكر النير السديد، صنع هذا القرار التاريخي، وبهذا القرار (القوي) يؤكد خادم الحرمين الشريفين وقواته وشعبه والأشقاء والأصدقاء التصدي لمجموعات إرهابية تقفز على السلطة (غصبا)، إن القوة تردعهم فهي أبلغ وسيلة للحد من استخدام القوة المضادة فلا يفل الحديد إلا الحديد.
إن دولا مثل إيران لا تصغي إلا للقوة التي يدخل في حسابات موازينها القوة الاقتصادية والموقع الجغرافي والموارد الطبيعية والمساحة والسكان والقوة العسكرية.. إلخ، وكلها تملكها بلاد الحرمين الشريفين بحمد الله ثم بقوة قيادتها صاحبة القرارات التي تغير مجرى التاريخ!! وبهذا القرار انبعاث لروح التضامن العربي والإسلامي من جديد وعودة للشرعية في اليمن بعودة رئيسه وحكومته المنتخبة، ولن تترك أقلية مطلقة لتتحكم بمصير شعب ووطن في الحاضر والمستقبل.
وهذا ما أكدت عليه القمة العربية التي انعقدت في شرم الشيخ السبت 28-3-2015م، وتبنت بقوة قرار المملكة (عاصفة الحزم) تلبية لنداء الرئيس اليمني والشعب اليمني الجريح الذي عبر عنه الرئيس اليمني في كلمته أمام المؤتمر شاكراً ومقدراً الموقف الحازم والقوي لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قال تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ ) آل عمران 160.
والله ولي التوفيق
وللحديث بقية