رمضان جريدي العنزي
ما سأقوله لكم ليس نبوءة خارقة، ولا حكاية من حكايات العرّافات، وضاربي الودع، وقارئ الكف، ولا ظاهرة جغرافية طارئة قد تختفي بتغيّر الفصول والمواسم، أو تتلاشى بتحسن عوامل الطقس وتبدل الظروف المناخية، ولا هي رسالة تحذيرية عابرة من رسائل أصدقاء البيئة، أنما هي حقيقة مفزعة، وفاجعة مأساوية، تهدّد ملامح حياتنا ومقوماتها، وحياة أجيالنا ومستقبلهم، إيران كارثة، هذه حقيقة جلية مطلقة، تأكدها كل الشواهد والمعطيات، والاستنتاجات العقلية والمنطقية والسياسية، وتؤيّدها الأحداث الجارية، وتعزّزها مؤشرات الزحف التدريجي، الذي نلمسه كل يوم، على بغداد العراق، ودمشق سوريا، وصنعاء اليمن، وبيروت لبنان، بحيث ظهر هذا الزحف التدريجي جلياً للعيان بعد انخفاض مناسيبه إلى المستويات الطينية الوحلة، إيران تريد لأنهارنا العربية الجفاف، ولمياهنا الاضمحلال، ولأشجارنا الموت، ولحقولنا الاندثار، تريد أن تقطع شراييننا، وأن نصبح من عداد الموتى، بشهادات وفاة تخطها هي بعبارات نعي وقحة وغير إنسانية، ففي الوقت الذي تلوذ به بعض الدول العربية بالصمت المطبق حيالها، أو التبعية المطلقة لها، تعزف إيران على الصراعات العقيمة القديمة، وتلهث باستماتة خلف التقسيمات، وصنع كينونات عربية صغيرة عقيمة، إيران تريدنا أن نستيقظ ذات صباح لنجد أنفسنا بلا أنهار ولا أشجار ولا بحار ولا طرقات ولا مدارس ولا جامعات ولا مدن عصرية، تريدنا أن نعود بدواً رحّلاً على ظهور الجمال، نلهث عطشى في فيافي البيد الحارقة، ونسوق أغنامنا من جديد نبحث عن سراب ماء، وعشب وكلأ وخيمة ورواق، نتعفر بالتراب، ونبني خيالاً من رمل، ويقتل بعضنا البعض الآخر بغباء تام، وفق أبشع أعمال التجفيف والتزحيف والتحريف والتجريف، التي تستهدفنا كلنا كأمة عربية، أن لإيران مساعي حثيثة خبيثة، لبناء حلمها الأمبراطوري الفارسي، وإعادة إحيائه، لقد زرعت حيال ذلك في أرضنا العربية الفواجع، وعصفت بأرضنا وبساتيننا وحقولنا وروابينا، وحاولت إطفاء شموعنا وقناديلنا، اعترفت إيران أكثر من مرة عبر وسائلها الإعلامية بأن هذا هو هدفها ومبتغاها ومرادها، في الوقت الذي تريد السيطرة الكاملة على عواصمنا العربية، وأنها ماضية في تنفيذ هذا المشروع قصداً وغصباً وعنوة، أن دولنا العربية تتعرض من قبل إيران لحرب تخريبية معلنة، تستخدم تواطؤ بعض الدول العربية معها، وضعف بعضها الآخر، لتزيد الطين بلة، وتخطط لإيذا الشعوب اعربية كلها من المحيط إلى الخليج، إننا أمام عدو صريح مبين، تكلم عن مخططاته بإسهاب، واتخذ على خلفية ذلك قراراته، وها هو يمضي في ارتكاب الانتهاكات الصارخة لأحكام وقواعد القانون الدولي، والأنكى من ذلك أن بعض دولنا العربية لا تظهر اهتماماً حقيقياً لهذا العدوان الإيراني السافر، وكأن الأمر لا يعنيها من قريب ولا بعيد، والمصيبة الكبرى أن بعض عواصمنا العربية هي التي تعطي الضوء الأخضر لإيران لكي تشجعها على تنفيذ مشاريعها العدوانية ضدنا كأمة عربية واحدة، وهي التي ساعدتها لكي يكون لها موطئ قدم كبير في أراضيها دون حياء ولا خجل، إن بعضنا الآخر يقف موقف الحائر المتفرج على فقدان أجزائنا، المهددة بالتقطيع، دون أن يطلق صيحة احتجاج واحدة بوجه العدو الإيراني المجاور، الذي سعى وما زال يسعى لتنفيذ مشاريع التقسيم والخراب والشرذمة في كل البلاد العربية، ويكتب روايات الضياع والتيه والظمأ لشعوبها، ويحث براكينه أن تتفجر بالشر لتسقط حمماً حارقة على رؤوسنا، فمتى نوقف هذا المد الإيراني الطائفي الأرعن ضدنا كأمة عربية واحدة، والذي يريد أن يحرمنا مياه الشرب، ويقطع عنا الجداول والسواقي من منابعها، ويجفف الأنهار والروافد، ويتسبب في تجويعنا وتشريدنا؟ إن من يحب وطنه العربي الكبير، ينبغي أن لا يتأخر في الذود عن أشجاره وأنهاره وحقوله وسهوبه وبحاره، وإن من يحب وطنه العربي الكبير أيضاُ، ينبغي أن يصون ممتلكاته، ويحمي موجوداته بكل الوسائل والأساليب والطرق المتاحة وغير المتاحة، فالذي يولد زاحفاً لا يمكنه التحليق والطيران، والنجاح في المهمات الصعبة جبلاً وعراً لا يمكننا تسلقه نحو القمة وأيدينا في جيوبنا.