رمضان جريدي العنزي
منذ أمد طويل وأنا أحلم بأن تكون المدن الشمالية كلها حلم الزائرين بضوئها وبهائها وحسنها وحضورها الأنيق، وأن تتسربل بحرير الأساطير ومناخ الروعة، وتتوج بسحر المكان وشلالات الإبداع والألوان القزحية، وأن تكون مثل الوردة والعطر والمطر والمساء وهواء الربيع والتخوم والرابية والنجوم الساكنة،
وبهاء الصباح والشمعة الموقدة وبرد الشتاء الخفيف والمرأة الفارعة الحسناء، والجديلة الطويلة المخضبة بالعطر والحناء، وأن تكون مثل مواسم المطر وخيوط الشمس ورتل النجوم وامتداد البحر وبرق الأفق وسيل المياه وظل الشجر، وطير الحمام وصوت اليمام ومثل شمس يعقبها قمر، انه نزع حلمي وطموحي ومبتغاي ومرادي، لأني موبوء بالمدن الشمالية كلها، ولأنها أول عشقي وآخره، فهي المدن الأكثر حيوية ونشاطاً وحياة وتدفقا، هذا ليس ترفا بالحلم ولا بالمخيلة ولا مستحيلاً، إن لمدن الشمال تأثيرات وانبعاثات وعطاءات تستطيع من خلالها أن تفرض نفسها بقوة، لكن وجه المدن الحالم الذي نبتغيه ونأمله لا يتسق مع مشهدها الحضاري الذي هي عليه الآن، المدن الشمالية كلها بحاجة إلى من يغسل وجهها وينفض عنها غبار وتعب السنين والارتباك والعشوائية، بحاجة إلى من يبللها بالندى والعطر المميز ويرميها بالورد الأبيض والبنفسج، وإلى من يرتب هدوءها، بحاجة إلى من يعيد إليها وقارها وهيبتها.
المدن الشمالية بحاجة إلى نقلة نوعية طافحة بالإبداع والابتكار والاستحداث العاجل، من أجل أن نعيد إليها ملامحها الجميلة، المدن الشمالية تعاني منذ أمد طويل من جراحات وتصدعات تشعرك بأن هناك خللا فادحا، وهذا الخلل يؤكده النقص الصريح بفقدان أغلب الإيقاعات الأساسية المتوافرة في أية مدينة عصرية.
إننا نستطيع أن نقتفي آثار هذا المشهد الممل من خلال المشاهدة اليومية التي نراها ونمر عليها ونشاهدها بحزن يشبه الانكسار الحاد، المدن الشمالية أحياؤها وشوارعها وميادينها تستصرخ من يزيح عنها تلك الهموم بلمسة إبداع وقطرات مطر ونافورة ماء، إن المدن الشمالية تستحق أكثر مما هي عليه الآن، بل أكثر مما هو في مخيلتنا من مفردات سحرية، وبما في أفواهنا من قصائد غزل شفيف، إنني أريد أن أستيقظ ذات صباح وأرى المدن الشمالية كلها وقد اكتست ملامح جديدة، وأزالت عن وجهها كل التشوهات والندوب التي أصابتها بما يشبه لون الحريق.
المدن الشمالية كلها بحاجة إلى وقفة جادة، ولمسة فذة من كل الأطراف المسؤولة لتعيد إليها ترتيب ملامحها، وتلملم أطرافها وتجمع أجزاءها بما يتناسب مع إرثها التاريخي العريق، وإِنسانها الأنيق، إنني آمل أن تنفض المدن الشمالية عن جسدها الارتخاء والوهن، وعن روحها الوسن والسأم، لتصبح قادرة بعزيمة الإِنسان الشمالي الوطني الطموح، على أن تكون مدناً جديدة ومتفوقة وخيالية وحالمة، حالها حال كل المدن الحية في هذا العالم الفسيح، مستفيدة من دعم خادم الحرمين الشريفين لها، وحصتها المناسبة من الميزانية والمشروعات، مدعومة بأميرها في تحقيق هذا الحلم.