رمضان جريدي العنزي
نحن سادة المواقف العصيبة كلها، نعرف كيف نحمي وطننا الكبير بسواحله وبيده وجباله ومياهه ومرافئه ومراكبه وأسماكه ونخيله ونوارسه، عرف العالم كله قوة بأسنا ورباطة جأشنا وصبرنا وحلمنا منذ زمن بعيد، إننا نمر بأيام دقيقة وصعبة، بل وخطيرة، الذئاب والثعالب والعقارب والحيّات بكل أنواعها وأشكالها وأحجامها وألوانها تقف على كل المفترقات، بل وعلى التلال والجبال العالية وكل المنافذ، تحاول أن تغتال ما تبقى لنا من ألق وحلم وتطلع وبهاء، لكن الأرض تظهر، والمواقف الحقيقية العظيمة تتجلّى، ومعادن الرجال الرجال تظهر، والوفاء ينتشي، والانتماء يرتقي، والوحدة تكبر، والتعاضد يصبح سداً منيعاً، ورغم كل تفاصيل أرضنا مساحتها وجغرافيتها وامتدادها وتضاريسها المتنوّعة وبحارها، تبقى المواقف البطولية سيدة الحدث، رغم الشدة، والرياح العاتية، والمناخات المتقلبة، والعواءات الكثيفة، والنعيق المشؤوم، إذ إن لا أحد يستطيع أن يطفئ حقيقتنا الجلية، ونورنا الساطع، وبرهاننا الأكيد، رغم الغيوم السوداء التي تزحف علينا من كل حدب وصوب، لاحظوا كيف ينظر الأعداء المشكلون والملونون الكثر إلينا كبلد ذي موقع إستراتيجي مهم، ومكانة دينية عظيمة، وشأن اقتصادي كبير، ووحدة فريدة في نوعها وتلاحمها، وكيف يحاولون النفخ في قيعاننا، وهم يظنون أنهم ينفخون في شيء رقيق يشبه البالون، أو بيت العنكبوت، هناك أشياء كثرة تتحرك وتدور حولنا، تموج وتتلاطم، لا تريد لدقات قلوبنا أن يستمر إيقاعها المنتظم، ولا لحياتنا أن تزهر، ولا لحلمنا أن ينمو، ولا لبراعمنا الصغيرة أن تكبر بصحة وعافية وجمال، هكذا يفعلون ضدنا سراً وعلانية، بلغة واضحة، أو بلغة رمزية مشفرة لا يفقهها إلا الذين ينظرون إلينا من خلال المنظار العملاق، لقد حاولوا بعثرتنا، وتشريدنا، واستنزافنا، وقتل أشياء كثيرة وجميلة فينا، لقد حاولوا صنع المسافات العمياء بين العيون والقلوب، حتى إن بعضنا الطفيف أخذ يسير معهم بلا هدى ولا كتاب منير، بعد أن باعوهم الوهم، والخرافة، والرماد الكثيف، لكن علينا أن لا نسمح أن تهب رياح الخراب، والدمار، وبعثرة الدم على ضفاف بحارنا الجميلة، وأوديتنا العريقة، وأرضنا الطاهرة النقية، وبيدنا الشماء الوفية، إنها بلادنا، حاضرنا ومستقبلنا، إن الذين يشبهون الذئاب المسعورة، والدبب الجائعة، والضباع النهمة، والغربان السود، والحيات، والثعالب المخادعة، هم أنفسهم الذين يحاولون رسم اسراب، ينشطون عبر الأروقة، والدروب، والأزقة، يعودون إلى خرافة التخويف، والتهويل، والوعيد، لكن بلادنا هي بلادنا، تبقى صلبة، عنيدة على كل متطاول، وطوق نجاة، بلادنا منارة الإسلام، مهمومة دائماً بقضايا الأمتين العربية والإسلامية المتشعبة والمتعددة المزمنة منها والعصية، وهي تعمل لإنقاذ الأمتين من الزوال والفناء، لهذا أدرك كما يدرك غيري وبدقة خلفيات وأبعاد كل خطوة تخطوها بلادي، إن ثمة من يقرع طبول اليأس، والخراب، والشتات، والتشرّد، والظمأ، بلا هوادة، ولا توقف، وهو ما يفترض بنا جميعاً، أن نعي الحالة الخطيرة التي نمر بها، لا أن نكون مجرد ضيوف شرف في صفقة يلعب الشيطان في أرجائها ولمصلحة الشيطان نفسه، يجب علينا جميعاً أن نقر بصعوبته أيامنا هذه ودقتها، بل وباحتمالاتها وتأويلاتها الغامضة الضبابية والداكنة، لكن علينا أن نحافظ على أشجارنا ونخيلنا وهاماتنا، ونجعلها واقفة بصلابة وثبات ويقين، هذا ليس نفخاً لغوياً، ولا جملاً إنشادية، ولا قصائد عصماء، ولا مفردات منتقاة، لكن لبلادنا خاصية تفرد عندما تتكلم، وعندما نعمل، وعندما نقود، وعندما تتجلى، لأنها نريد أن تصنع المستقبل الذي يليق بنا، وبوجودنا، وبأرثنا، وتأريخنا المجيد العريق.