رمضان جريدي العنزي
حاولت أن أحتفل بالمطر حين سقوطه على الرياض، وأن أرسم للمطر غيماً ومداراً وقوس قزح وألوان، لكن بهاء الغيم والمدار وعشقي للمطر تلاشى وانكسر، حين سرت في قلبي وتسللت إلى مخدعي مسحة حزن قوية باعثة رعشة تشبه تيار الكهرباء، ساعة همدَ جسد الرياض في غالب أطرافه نتيجة سقوط المطر، صباح عصيب
اختزل لنا العمل الهش الزائف والرديء، في الرياض حين يجيء المطر، ويهطل يبتعد عنا بياض الفرح بكل ألوانه وأطيافه وحسنه وجماله، ويغادرنا السرور بكل بهائه وتفاصيله ولونه وحسه، يجيء للرياض المطر، ويجيئنا معه الوحل، ويهاجمنا الطين، ويغدر بنا السيل، وتظهر عورة الأنفاق جلية، ويفتضح مشروع تصريف السيول، ونعجز أن نصل لأعمالنا وإن استمتنا في المحاولة، وتتعطل المصلحة ويتعطل الإنتاج والعمل، أمس طفخنا بالماء وطفحت مركباتنا حتى لكأننا متنا، المسألة التي أنا بصددها تتجاوز هذه التيمة البائنة، ألا وهي برنامج تصريف السيول، هذا البرنامج الحاد والفاصل والعتيق يعيده لنا سيناريوهات المطر الذي جاء، إلى تركيبته اللا محسوسة، إلى هلامية وجوده، إلى رخاوته وإسفنجيته، إنه مثل ذلك الذي يشبه الصراط الدقيق الذي لا يمكن السير عليه إلا بعد أن يتشبع الجسد بالتوازن، والتوازن هو الذي يجنّب الجسد الانزلاق، لكن أجسادنا الآن عرضة لكل مكونات هذا البرنامج اللين الكسيح الرديء، الذي لم يحمنا ولم ينته ليله الطويل بعد، رغم أعوامه المديدة الطويلة، وسنينه التليدة، وأزمنته العجاف، أتذكَّر برنامج تصريف السيول وأتذكَّر عندها سلوك وأطروحات هذا المشروع وبرامجه وأعمال مقاوليه والقائمين عليه ومعهم أمانة مدينة الرياض، واليوم سأجهر لهم بالقول، ولن أكيل للجميع تهم التقصير والقصور والكساح والعوج، لأنها واضحة وبائنة ولا تحتاج إلى مزيد إثبات وبرهان، لكن حقنا في الرياض المدينة أكثر من حق الأمانة نفسها بها، التي صدّرت لنا منذ القدم بيانات عديدة، وأقوالاً عظيمة، وآمالاً عراضاً، خدّرتنا بها طويلاً، ونحن ناصرناها وباركنا مساعيها وصدّقنا كلامها المعسول الذي يشبه الشهد، حتى جاء الأجل المحتوم وانكشف المستور وتحدثت الأرض بأسرارها يوم زلزلها المطر وأخرج أثقالها، وقال سكان الرياض بدهشة وخوف وهلع ما لها؟، ليتبين لنا أن الذي يحدث في مدينة الرياض حين يجيء المطر، أي مطر!، لا مبرر لها البتة ولا حجة ولا تبرير، إن لدي سؤالاً واحداً يُدثّرني بالحسرة ويُزملّني بالأسى ويختزل كل ما قلت وما سأقول لكنه عميق وكبير: أين هو مشروع تصريف السيول؟ الذي أرهقتنا آلات الشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة حفراً ودهلاً وردماً منذ زمن طويل مرهق متعب وممل؟.. هل المطر النازل أمس أخفى اسمه ورسمه وكيانه ووجوده حتى صار أقرب للعدمية والوجود؟.. يا أمانة مدينة الرياض هل لي مجواب سريع مقنع وشافٍ؟.. إني بانتظاره ومعي ستة ملايين نسمة ما زالوا مصابين بالدهشة والتعجب والخوف والهلع قبل أن يجيء المطر القادم.