عبدالحفيظ الشمري
«الوقف الخيري» رسالة إنسانية سامية، وتكليف اجتماعي إسلامي رائد، تنادت به الأمة، وتشكل كمفهوم خيري رشيد، بل إنه بات يصنف الآن بوصفه دعامة اقتصادية، وسلوك حضاري، يسهم في تفعيل عطاء الأفراد لدفع عجلة النمو، وإيصال العمل الخيري إلى مستحقيه، ومد جسور من التضامن بين المجتمع ومن حوله، فهو المهمة الإنسانية التي تعزز القدرة المعنوية والمادية لأفراد المجتمع على مدى أجيال متعاقبة.
فمن يتأمل مشاريع الوقف الخيري وقد تنوعت مراميه ومنطلقاته، لتخرج من كونها إيقافا لمبلغ أو عين أو أصل للذرية، أو لذوي القربى، ممن سيستفيدون من هذا الوقف بما يعرف بـ(الوقف الأهلي) إلى أكثر الأغراض توسعا على نحو (الوقف الخيري الشامل) الذي تكون أهدافه خدمة المجتمع بشكل عام، من قبيل عمارة المساجد، وحفر الآبار وتنقية المياه، وإنشاء الرباطات ودور الإيواء، ودعم مراكز العلاج، والمستشفيات، خدمة للمجتمع.
كما أن هناك نوع منها يضم هذين الوقفين ويوحدهما بإطار حيوي يتمثل في (الوقف المشترك) الذي يستفيد منه الخاصة من أهل هذا المُوقِفْ للمال والعين، وفي حالة انقطاعهم، أو انتهاء حاجتهم منه يتحول للمجتمع، وهذه خطوة متميزة، تستشعر استمرار النفع العام للوقف الخيري ليكون خيره ومردوده للجميع.
وما يدور هذه الأيام حول الوقف الخيري هو السعي الحثيث من قبل المؤسسات والحكومات الراعية للعمل الخيري لإيجاد صيغ جديدة تعتمد على العقد القانوني والشرعي في مثل هذه الأوقاف، إضافة إلى تطوير مفهوم هذه الأوقاف، ليشمل الحياة الاجتماعية المعاصرة، والشأن الصحي، والثقافي، والبحث العلمي، ومراكز الدراسات والبحوث الإنسانية، لذا اتسعت وفق هذا السعي الحثيث للتطور والتجديد مهام الوقف الخيري، وتحسن أداؤه خدمة للمحتاجين والمستفيدين منه.
وبما أن مراكز الدراسات والبحوث الإنسانية هي أكثر الحاجات إلحاحا في العصر الحديث، فإنه من الضروري أن يعمل الجميع على توسيع هذه المجالات ليشمل الخدمات الإنسانية، لتكون عونا للباحثين والدارسين على تحمل واجباتهم نحو من حولهم، ولأننا لا نغفل في هذا السياق أن لكل مشروع إنساني معنوي أو مادي معوقاته التي تتمثل في قلة الدعم المادي، فإنه حينما يتم تأسيس وقف خاص به، سيسنده ويقوي رسالته ويكتب له التميز والديمومة، مع السعي إلى تحسين الأداء بما يحقق أهداف الوقف الخيري.
والأمثلة والشواهد كثيرة على وجود الوقف الخيري للكثير من الأعمال والإنسانية ذات الطابع الصحي والثقافي، وخير مثال ما تقوم به العاصمة المقدسة مكة المكرمة وكذلك المدينة المنورة من استيعاب للوقف الخيري وتنظيمه ليكون مفيدا، ويقدم رؤية حضارية لهذه الممارسة المتميزة في حياة الإنسان المسلم حينما يجعل من الوقف الخيري خطوة نحو البناء والعمل النافع.
فمهام الوقف الخيري -بحمد الله- لم تتوقف عند فكرة معينة، أو نشاط محدود، إنما تجاوزتها إلى إسهامات خيرية أخرى وذات نفع عام، تتمثل في مجالات متعددة في شؤون الحياة، ونفع الأمة، والمساعدة في تقديم يد العون لبعض الجهات والمجتمعات التي تحتاج إلى دعم ثابت، لا يمكن توفيره إلا من خلال مشاريع الوقف الخيري.