د. عبد الله المعيلي
يقول أحد المحبين الخائفين على البلد من أثر كلمات التفخيم والتبجيل والتعظيم التي يرددها بعض الناس في أحاديثه ومقالاته ومقولاته وتصريحاته، وفي لقاءاته خاصة مع كبار المسؤولين، أمثال كلمة (أكبر) وأخواتها، أوسع أعظم أضخم أعلى التي تطلق على المشاريع وعلى منجزات الخطط التنموية، فهذه الكلمات وغيرها تعني أن ما تحقق في هذا المجال لا يضاهيه شيء في الكرة الأرضية قاطبة، ولهذا حظي بهذه الصفة التي جعلته في مكانة سامقة عالية تعلو عن المقارنة والمضاهاة، وتدل على الكمال والتمام.
لهذه الكلمات سحرها وجاذبيتها، تطرب لها الآذان، وتطمئن لها النفوس وترتاح، بل وترغب في سماع المزيد والمزيد منها. وتكمن الخطورة في الركون إلى هذه الأوصاف الجوفاء وتصديقها والوقوف عندها، والاكتفاء بها باعتبارها تعكس حقيقة ما تحقق، بينما الواقع لا يعكس صدق هذه المقولات، ولا يصدق عليها، لأنها مجرد مجاملات غالباً ما يكون الدافع لها (أنا) متخلفة متطلعة بشراهة لما لا تستحقه.
لا ريب أن هذه الكلمات تطرب السامع وتسعده، وتشعره بالرضا، وبالفخر والاعتزاز، وقد يركن إليها المسؤول، ويصدقها القارئ باعتبارها تصف ما أُنجز في الواقع أو سوف يُنجز على أنه يبز ما عداه، بينما الحال مجرد وصف أجوف أطلقه منافق متزلف، يقصد منه المجاملة، لأن الواقع يختلف عن ذلك، بل قد يكذبه.
إنها مجرد كلمات تقال للدعاية التي طالما ثبت أنها تطلق محاباة ومداهنة ومخادعة، وخدمة للذات، وسعياً لإرضاء المسؤولين، لأن إطلاق مثل هذه الكلمات يعد بمثابة الحكم الذي يفترض أنه بني على تقص واستقصاء ومقارنة وتحليل، ومن ثم استنتاج يستند إلى مؤشرات ودلائل وأرقام تؤكد وتسوغ إطلاق مثل هذه الكلمات المنتفخة التي تشعر السامع لها أنه في المقدمة، بينما هو في حقيقة الأمر مجرد إنجاز سبق أن حققه آخرون، بل قد يكون إنجازاً متأخراً عما كان يجب أن يُنجز، وبالتالي فقد بعضاً من قيمته حتى وإن كان بالصفة التي تقال عنه.
ولهذا لم يعد أحد يصدق مثل هذه المقولات ولا يثق بها، وكذا الحال لم يعد أحد يصدق من يقولها ولا يثق به، بل إنه أضحى مضرب المثل في عدم احترام الذات وتقديرها، بل إذلالها واحتقارها، وأن هذه المقولات والأوصاف التي تطلق جزافاً ليست إلا مجرد غثاء لفظي، والغثاء سرعان ما ينكشف أمره، ويتبين زيفه وكذبه. والحقيقة أن هذه المقولات لا تصدر إلا من أناس يتطلعون إلى رسم صورة جميلة مزيفة تغطي أوجه الفشل أو النقص الذي يغلب على ممارساتهم، وأداء الأمانة المكلفين بأدائها، أو لكونهم يتطلعون إلى مكانة غير مستحقة.
عقدة ما زال صداها يتردد بين الفينة والأخرى، بل لا تكاد تخلو منها عناوين بعض الصحف المبجلة بصفة يومية. وتكمن خطورة هذه المقولات والتصريحات في كونها تضلل القارئ، وتقتل الطموح، وتجعل الحال تراوح مكانها، بينما عجلة التقدم والتنمية في هذا العهد الكريم تتطلب طموحات لا تتثاءب ومصداقية في القول والعمل لا تقف عند هذا الإنجاز (المنفوخ) أو ذاك.
ومما يزيد الحال سوءاً، أن بعض المصابين بداء التصريحات الجوفاء، يستعجل في إطلاق الصفة على المشروع المزمع، المشروع المعجزة، (الأكبر أو الأضخم...) وهو ما زال في مرحلة الدراسة، أو في مرحلة الطرح، ما زال حبراً على ورق، ومع ذلك يستعجل في الإخبار والإعلان مدججاً تصريحه بكلمات التفخيم والتبجيل والتعظيم التي أقل ما يقال عنها: أنها جوفاء تطلق للإلهاء والمخادعة.
إن هؤلاء المبتلين بداء المدح يعانون من اضطراب في الرؤية جعلهم يخلطون بين ما يفترض أن يتسموا به من مصداقية وبين وما يتطلعون إليه، إنهم لا يعرفون قدر أنفسهم، ولا قيمة الكلمة التي يتفوهون بها، لهذا لا عجب أن يهرفوا بما لا يعرفوا.