في لقاء جمعني مع صديق أمريكي، ورغم أن اللقاء لا يعدو كونه لقاءً عادياً، إلا أن ما تشهده المنطقة العربية من تحديات جسام تدور على أرض ديار العرب فرضت الحوار مع الصديق الأمريكي نفسه.
كان سؤالي الذي تفرع إلى عدة أسئلة، لماذا الإدارة الأمريكية هبت مسرعة لإسقاط نظام صدام حسين بل وقتله في محاكمة عبثية، ودون تفويض من مجلس الأمن رغم أنف الشرعية الدولية. وعندما سيَّر القذافي قواته من طرابلس قاصدة إخماد الثورة في بنغازي انضمت بلاده سريعا إلى أوروبا لتدمير تلك القوات في لمح البصر ثم قتل القذافي على يدي أحد الليبيين، بينما مرت أربع سنوات دموية على الشعب السوري دون أن يحرك السيد أوباما ساكنا رغم وعوده الصارمة بالتدخل السريع، إذا ما استعمل النظام الدكتاتوري الأسلحة المحرمة دوليا ضد شعبه باعتبار ذلك خطا احمر عند سيد البيت الأبيض.
حقيقة إن إجابة الصديق الأمريكي كانت دبلوماسية ومختصرة، لكنها تظهر جزءا من الحقيقة، قال بالحرف الواحد (إن وضع صدام والقذافي مختلف، فالرجلان لم يكن معهما أحد) يقصد حليفا أو حلفاء أقوياء، أما النظام السوري فإنَّ دولا قوية تقف معه، عسكريا واقتصاديا يقصد روسيا وإيران إضافة إلى حزب الشيطان في لبنان.
الحديث الطويل الذي من أحد جوانبه أن صديقتنا أمريكا كما تنبأ الصديق انه خلال الأشهر الثلاثة القادمة ستزود المتدربين المناهضين لحكم النظام السوري بأسلحة بمقدورها إسقاط الطائرات التي دمرت البلاد وقتلت العباد في ذلك البلد، الذي أصبح وضعه اليوم وكأنه يعيش في العصور الغابرة بعد أن دمرت بنيته التحتية دمارا ما بعده دمار وشرد شعبه في أصقاع الأرض وفي داخل وطنهم.
ولان الحديث كان قد اخذ منحى العلاقات والمصالح بين الدول فقد ذكرت الصديق ببعض مواقف بلاده. قلت متى كانت الإدارة الأمريكية عند عهدها أو وعدها للعرب منذ وعد بلفور اللعين عام 1917 في ظل عصبة الأمم، مرورا بعام 1945 تأسيس الأمم المتحدة وجامعتنا العربية وبقرار التقسيم 1947 وتأسيس إسرائيل عام 1948 لتهرول أمريكا للاعتراف بها بعد (11) دقيقة من قبولها عضوا بالمنظمة الدولية.
أمريكا وقفت (بالفيتو) البغيض ضد كل القرارات الداعمة للقضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين والقدس الشريف، وفي حروب إسرائيل 1967، 1973 وغيرها ضد العرب وقفت أمريكا مع إسرائيل على طول الخط وضد مصالح العرب على طول الخط، ولذا فإنَّ من ينتظر خيرا من سادة البيت الأبيض كمن يحفر بالبحر ليزرع ويحصد.
ومن يقرأ التاريخ السياسي يدرك أن حقبة الستينيات من القرن الماضي وحتى انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، شهد العالم صوراً من التدخل السوفيتي والولايات المتحدة في شؤون العالم الثالث، لبسط نفوذهما ونشر مبادئهما، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أصبح تدخل أمريكا لفرض نفوذها أكثر جرأة ووقاحة، وهذه الجرأة على التدخل في شؤون الدول بعد سقوط الاتحاد السوفيتي كانت لها آثار وخيمة على أمن العالم واستقراره.
حقيقة الأمر أن العالم اليوم دخل حرباً باردة جديدة، فبعد انهيار سور برلين 1989، وتبعها انهيار الشيوعية انفردت الولايات المتحدة (الرأسمالية) لتقود العالم كقطب أوحد، وخرج من رحم تلك القوة على مستوى الممارسات الدولية احتلال أفغانستان والعراق وإسقاط نظام القذافي.
كان قيصر روسيا بوتين يراقب الموقف ليرى بأم عينيه أن (الكعكة) العربية يأكلها الغول الأمريكي طاردا الدب الروسي، ومن هنا أعلن ميلاد حرب باردة جديدة، حيث لم يتبق للدب الروسي سوى سوريا، فالنزال اليوم على أرضها، تنفرد به روسيا التي اقتطعت مؤخرا أجزاء من أوكرانيا جزاء لها على اتجاهها غربا نحو (الناتو).
وسيناريو الحرب الباردة الجديدة يحتاج إلى لاعبين جدد، ولان إيران (الشيعة) جاهزة لتدعم (بقوة) (النصيري) في سوريا لتضمن دعما (قويا) لحزب الشيطان (الشيعي) المتعصب، فانضمامها للعبة الحرب الباردة الجديدة أمرا مسلما به، فهي تخدم مصالحها التي تحققت في العراق واليمن، لذا فإنَّ الإدارة الأمريكية تركت الملعب مفتوحا لطهران وموسكو تحققان الأهداف تلو الأهداف لمصلحتهما، إِذْ ترى الإدارة الأمريكية أن في ذلك خدمة لمصلحتها وإسرائيل التي تعتبرها الولاية الـ(51) وهذه لعبة المصالح في السياسة والعلاقات الدولية بل في علم الاستراتيجية.
وعلى الرغم من أن الشرعية الدولية في مفهومها القانوني تعني ضرورة أن تكون أفعال وأعمال كل الدول من دون استثناء مطابقة لأحكام وقواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس أمنها والمنظمات الدولية، إلا أن الواقع شيء والتطبيق شيء آخر، فالشرعية الدولية مكانها الرف، لا تطبق إلا إذا كان تطبيقها يخدم مصالح الدول المعتدية كما هو حاصل في سوريا، أما إذا كان تطبيق الشرعية الدولية يعارض مصالح تلك الدول فمكانها ليس الرف فقط بل سلة المهملات.
إن القوة في عصر قانون الغاب يبدو أنها غلبت على صوت الحق والعدل والرأي العام العالمي، ولم تعد الدول العظمى تعطي اعتباراً لهذه المصطلحات الرخوة، وأصبحت الكلمة للسلاح، والسلعة الرابحة هي المصلحة لا غيرها وليمت من يموت!
الضحية الشعب السوري وبالأحرى أهل السنة والجماعة حوالي (5) ملايين من اللاجئين في الخارج ومثلهم في الداخل نشاهدهم عبر الفضائيات وقد نجا بعضهم من القتل داخل الوطن، يتعرضون لغضب الطبيعة يموتون بردا وجوعا وقهرا، صراخهم يشق عنان السماء على فقدانهم لديارهم، ينامون في العراء، ترى أجسادهم وقد نالت من الضعف ما نالت خاصة الأطفال والنساء وكبار السن، والمجتمع الدولي يشاهد ولا ضمير حياً يتحرك، ليصبح الشعب السوري ضحية (القوة) و(الفيتو) والعناد الروسي والغزو المجوسي، كما أن الشعب الفلسطيني ضحية القوة والفيتو الأمريكي وآخره ولن يكون الأخير (الفيتو) البغيض ضد مشروع إقامة الدولة الفلسطينية عام 2017 دعما لإسرائيل.
وإذا كان المهجرون السوريون يمثلون 25 في المئة من إجمالي المهجرين في العالم ليمثلوا وصمة عار سوداء في جبين المجتمع الدولي والأمم المتحدة، فإنَّ مئات الآلاف الذين لقوا حتفهم بأسلحة روسية وإيرانية والآلاف المؤلفة من الجرحى والمعاقين السوريين الذين فتكت بهم أسلحة وقوات روسيا وإيران وحزب الشيطان طاغية سوريا سيذكرها التاريخ الحديث كأعظم كارثة تحل بشعب مسالم لا ناقة له ولا جمل، مطالبا بـ(الحرية) ليلقى جزاءه على أيدي دكتاتوريات لا تؤمن سوى (بالقوة) والردع بالأسلحة وبالقنابل المتطورة والمحرمة دوليا، رغم أن المواثيق الدولية تدعو إلى منع استخدام القوة في العلاقات الدولية.
اليوم جرائم التشريد والتعذيب والقتل الجماعي بل والإبادة ترتكب جهارا نهارا ضد الشعب السوري المسالم (الأعزل)، والمجتمع الدولي يشاهد وشرعيته الدولية ومنظمتها الدولية ومجلس أمنها في خبر كان، والفيتو الروسي والأمريكي هما الجوادين الرابحين في عالم يحكمه قانون (الغاب).
هذه الجرائم العظمى يعاقب عليها القانون الدولي والأعراف الدولية ونصت عليها اتفاقيات جنيف الأربع، ونصوص محكمة الجنايات الدولية واضحة، لكن المجتمع الدولي الظالم لم يحرك ساكنا، وهو يعلم علم اليقين أن رئيس وزراء لبنان الأسبق السيد رفيق الحريري قتل على يد النظام السوري وحزب الشيطان، وهو يرى اليوم كارثة إِنسانية لا مثيل لها تحدث على أرض بلاد الشام ضحيتها شعب بأكمله يتصدى بصدور عارية (لقوة) معراة تكالبت عليه موسكو وطهران ونظام أسود يقتلون شعبا مسالما بدم بارد، تسيل دماؤه انهارا في منازل وشوارع سوريا، ومن نجا بنفسه خارج الحدود مات بعضهم إما غرقا في بطون البحار أو بردا، وبطون خاوية وأجسام هزيلة تسكن الخلاء، تعيش حياة بائسة كئيبة يبدو على وجوههم وكأنهم يحاكمون هذا المجتمع الذي يعيشه عالم قانون (الغاب) وتقاسم النفوذ، عودا إلى معاهدة سايكس بيكو 1916 سيئة السمعة.
هذا الشعب السوري المظلوم ظلما بواحا سيأتي اليوم الذي يحاكم فيه الظلمة وينزل فيهم العقاب الشديد الذي يستحقونه طال الزمن أم قصر، سيحاكم المجتمع الدولي الذي تخلى عنه وتركه فريسة للمجوس والروس وغيرهم.
فلا يضيع حق وراءه مطالب.. كان هذا نزرا قليلا من حواري مع صديقي من بلاد العم سام.
والله ولي التوفيق