أمل بنت فهد
الحرب والسلام أطول هاجس للإِنسان حصره بين أعنف متناقضات الحياة.. يطلب السلم وهو لا ينفك عن الخوف واحتمالات الغدر.. منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وإلى يومنا هذا لا يزال يبحث عن المنطقة الوسط الغائمة بين مخاوفه.. من جانبه يجمع ترسانة السلاح الأقوى ليضمن أن يبقى في المنطقة المهيبة التي لا تجرؤ عليها أحلام اللصوص.. والجانب الآخر لا يخضع لضعفه إنما يعد الخطط ليخترق قلب الحصن بيد أهله ويقلبهم ضد بعضهم.
والحرب وإن تعددت أشكالها سواء كانت حرباً عادلة أو استباقية أو قذرة أو اغتصابية أو باردة أو نفسية... إلخ فإنَّ القدرة على حصر أسبابها وتحديد الحلقة الأضعف في الدول التي يمكن كسرها لتتسرب منها خطط العقول المسعرة للحرب.. يمكنها أن تمنح القادة شيئاً من حلول.. لتقلص الأسباب وتحمي شعبها وعرشها من ويلات حرب ما أن تبدأ حتى يأسرها التيه وتنسى أين كان باب النهاية.
تلك الخضّات التي اجتاحت العالم العربي منذ أن سمّت نفسها الربيع العربي.. قوس تمدد شمالاً وقفز جنوباً في قلب دولة اليمن الحبيبة.. ولا ندري أين سيتجه بعدها.. يميناً أم سيقفز لجهة أخرى بعد أن مهد طريقه فيها باستخدام نفس الهدف.. زعزعة الأمن من الداخل.. وتفجير الأحقاد التاريخية والطائفية.. وفتح ملفات الفساد وبعثرتها في وجه المجتمعات.. لتكون الفتنة بين المواطن والمواطن من جانب.. وبين المواطن والحاكم من جانب آخر.. وتشيع الفوضى.. ويشهر السلاح.
لذا كان لزاماً على الدول المجاورة أن تحمي حدودها والدول الأخرى أن تحمي مصالحها.. والأهم ألا تنسى في معمعة الحرب أن تعالج المنطقة الأضعف في بنيتها البشرية.. فمنها تخترق قوتها وتدك قواعدها كما حدث مع غيرها.. لها أن تقف في وجه التطرف الديني الطائفي.. تلك الذريعة الأقدم والأكثر بساطة وسذاجة.. لكنها الأنجع في بعثرة الصف العربي والإسلامي.. تأليب وتكديس للكراهية أخذ زمناً حتى وصل للغليان.. وفاض بجنونه حتى اقتتل البشر.. فالدم عندما يراق لأول مرة تتفجر وحشية الإِنسان وبربريته وتصبح الروح هينة رخيصة!
أما ملفات الفساد التي تحوم في فلك التأجيل دون أن تهبط على طاولة الإصلاح.. لتمنح المواطن حقوقه ويأخذ نصيبه من حياة كريمة.. فإنها سلاح بيد اللصوص وورقة رابحة لقلب الأنظمة بيد الشعب.. فلا أعظم قوة من الولاء والحب عندما تكون حقيقية وصامدة في وجه المرتزقة وقطاع الطرق والكاذبين ومدعي الثورة والإصلاح.. ولن يأتيا بحضرة الجوع والظلم والفقر.. فإذا ضعف الداخل واشتعل.. تشتت قوة الحدود وتمزقت.