أمل بنت فهد
من غرائب الإنسان أن يبحث عن القيد ويغلقه على نفسه بيده.. يلبس الأساور عن طيب خاطر ويعتقد أنه يهذب ذاته بيد الآخرين ظناً منه أنهم القادرين على إدارة غرائزه.. وبرغم أنه الكائن الأعقل فإن الحيوان تعايش مع الطبيعة وأنشأ نظامه الخاص دون أن يحتاج لعبقرية البشر.. وتبقى بيئته هادئة منتظمة إلى أن يتدخل الإنسان ويربكها.
عند الحيوان تنتهي السلطة الأبوية عندما يتقن الصغار مهارة العيش.. وتبقى التجارب خيار لا تتدخل فيه.. في حين تبقى تلك السلطة وتكبر عند الإنسان إلى آخر يوم في حياته.. أهي عقدة الأفضلية! ليشرع للآخرين كيف يعيشون ويتحركون ويتكلمون وأدق تفاصيل التعاطي مع الحياة.. أم الخوف من تكرار تجاربه التي كسرته.. فيخلط بين الحماية وفرض الوصاية.. رغم أن كل إنسان يؤمن أكثر بالمختبر الذي يسكنه.. وليس مختبرات الآخرين.. ليحلل تجاربه.. وإن بدت الموافقة على تجارب الغير يبقى الكائن الحر الذي يريد أن يتأكد من مشاعره وقبوله ورفضه.. يريد أن يحدد الصدق من الكذب.. وإذا حاولنا أن نقرر عنه ونجعل نتائج تجارب الآخرين عقيدة فإننا لا نحبسه في طفولته إنما في مكان سحيق.. في محاولة لتعطيل أعمق سمات الذكاء الإنساني.. نحاول أن نخرس العقل وهذا مكلف للغاية.. وثمنه باهظ بحجم دمار كوكب الأرض بأكمله.
نرجسية الإنسان لا تتوقف عند إعجابه بنفسه إنما تتمدد بعشوائية ليعمم ذاته التي يعشق على أخيه الإنسان.. وتتعاظم حالته ليمارسها ولو بالقوة وسيادة القانون.. وهنا يختل نظام الطبيعة.. لندخل مرحلة الطبقية والتطرف.. عالم وجاهل.. مصلح ومفسد.. مجرم وبريء.. سيد وعبد.. وطني وعميل.. لا وجود لمنطقة وسطية طبيعية.. إنما تطرف حاد شرس.. لا يتوقف حتى يصل لسفك الدماء.. فأي فئة متطرفة بدأت باعتقاد أنها خلاص العالم من الشر والفساد.. آمنت بصلاحها وشيطنة الآخر.. وبالغت حتى ظنت أنها مسؤولة عن حراسة السماء من خطيئة الأرض وساكنيها.. فالحرية وحدها من تستطيع أن تحمي الإنسان من نفسه التي تطمح للسيادة.. سيادة التجربة.. وسيادة الكلمة.. وسيادة السلطة.. لأن الحرية تكفل للإنسان أن يكون مسؤولاً مسؤولية تامة عن أفعاله.. والقانون سيقف في وجهه إن تخطى حدوده إلى مساحة الآخر.. وهو ما أشار إليه الأديب الفرنسي فكتور هوجو عندما قال: «حرروا الحرية، والحرية تقوم بالباقي» كأنه يشير لأثر حرية القرار والفكر.. وكيف تمنح الإنسان حس المسؤولية.. بينما العبودية تنتج عقليات وغرائز تعمل تحت الإجبار.. وعند هذا المنعطف ينكسر الإنسان.