د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب، كما قال أبو تمام. وهذا ما حسمته عاصفة الحسم بعد صبر طويل يضرب به المثل بعد صبر أيوب عليه السلام، وبعد حد من الهرج والمرج والمراوحة والمراوغة. وهي أتت ليس فقط من واجب أخلاقي بل ومن حق شرعي وبطلب من الحكومة الشرعية.
لم تكن المملكة في تاريخها دولة تبحث عن الحروب، أو التدخل في شئون الغير مهما كان شأنه وتوجهه، وقضية اليمن ليست استثناء فالمملكة سعت بكافة السبل لتجنبها ولكن اليد كما يقال وصلت الحلق، والجنون الحوثي الإيراني لم يترك أي مجال لأي خيار آخر. وهناك من يرى أن صبر المملكة طال أكثر من اللازم، وأن تدخلها كان متأخرا. فالمنطقة ابتليت بنظام لا يراعي جوارا ولا يرعى عهدا، فنحن، كعرب، في طوال تاريخنا في المنطقة لم تكن لنا عداوة مع إيران قبل ظهور نظام نظام الملالي الذي يتعامل مع العالم من حوله بكثير من العجرفة وقليل من الحياء. نظام الملالي في إيران نظام لا ينتمي لعالم الإنسانية الحديث كما يعرفه العالم، وإنما لرؤى غيبية وتاريخية تتخذ التطرف منهجاً والانتقام هدفا. وهي لا تسيء فهم من حولها فقط بل تدس أنفها في بلد تجد موطن قدماً فيه. وقد وجدت في ذلك مساعدة من مجموعات خائنة مهمشة تمدها بالمال والسلاح لا لهدف غير الهدم والتدمير.
خطورة نظام الملالي في إيران هو أنه لا يعترف بأي قوانين أو أعراف سياسية دولية، ويتوهم أن الولي الفقيه المقدس، وهو أي ملا يتولى السلطة في إيران، هو من يحدد حدود التعامل مع العالم وبيده حق تجاوز السيادة الوطنية لأي دولة متى ما رغب في ذلك أو تهيأت له رؤية في منامه بذلك. والأدهى أن أتباعه يعتقدون أنه معصوم ومقدس ويستمد أوامره من الله مباشرة. وهذه القدسية تنتقل بشكل تنازلي لكل أتباعه الذي يعتبرون آيات لله وأسياد. فإيران خلعت على نصر الله لقب سيد ليكون مطاعاً حتى ولو كذبا ودلسا. واللقب ذاته للحوثي، شبه الأمي، فهو سيد أيضاً حتى ولو أحرق المساجد وفجرها وحولها لحسينيات وجلسات لتناول القات. والغريب أن الملالي والأسياد بكافة أعرافهم وبلدانهم يدعون نسباً للرسول عليه أفضل الصلاة والسلام. فخامنيئي، وسليماني والحوثي هم من سلالة علي بن أبي طالب!! هذه العقلية التي تنطلق من رؤية قدرية للعالم، ولا ترى أيه قيمة للنفس البشرية هي التي تستند عليها إيران وأعوانها اليوم و هي تشكل خطرا حقيقيا على العالم أجمع وليس على منطقتنا فقط، وهذا ما يتوجب علينا توضيحه للعالم.
أغرت الأحداث التي تبعت حرب الخليج، و حل الجيش العراقي وتسليم السلطة لمجموعات شيعية في العراق إيران بالتمدد في الوطن العربي، وتدريجيا بدأت تغرق في حلم بناء امبراطورية فارسية. فأعتقدت أن عليها مداراة أمريكا وإسرائيل فقط بالتفاوض والتباحث معهما، أما مع العالم الإسلامي فلا حاجة لأي تفاهم أو تفاوض بل يجب اعتماد سياسات فرض الأمر الواقع. فسلّحت جيشاً طائفياً في لبنان بأسلحة أقوى من الدولة ذاتها بذريعة مقاومة إسرائيل، ثم ما لبث هذا الحزب أن قفز على السلطة في لبنان وأرسل قواته تقاتل في كل مكان إلا إسرائيل. واستغلت فراغ السلطة في العراق لتأسيس ميلشيات مشابهة فيه حتى أحكمت السيطرة عليه، وهي في الوقت ذاته تطالب باحترام سيادة العراق من التدخل الخارجي، لأنها تعتقد أن تدخلها بأمر من مرشد الثورة في أي مكان لا يعتبر تدخلاً لأنه فوق الأنظمة والقوانين الداخلية والدولية!!
وما حصل في اليمن لا يختلف كثيراً عما حصل في لبنان وسوريا، فإيران استوفدت مجموعة من الزيدين إلى قم ليعودوا إلى اليمن إمامية إثنى عشرية يستأمرون بأمر المرشد الإيراني ويقدسونه، ثم أخذت تدربهم وتسلحهم ليعيثوا في البلاد فسادا. كل ذلك والمملكة لم تتدخل في اليمن إنما طلبت من جميع الأطراف بما فيهم الحوثي ضبط النفس والتوافق بما يحفظ مصالحهم جميعا، وقبل ذلك يحفظ الأمن والسلم والتنمية في اليمن. فالجميع بما فيهم مجلس الأمن كانوا يدعمون الرئيس الشرعي منصور عبد ربه هادي ويطالبون بتوافق مع الشرعية. إلا إن الحوثي أخذته العزة بالإثم فاستولى على مؤسسات الدولة والجيش، ووضع مسئولي الحكومة الشرعية تحت الإقامة الجبرية ليوقعوا تحت التهديد كل ما يرغبه منهم بما في ذلك توقيع الرئيس على الاستقالة بأسلوب عصابات المافيا. والغريب أن إيران لم تكتف برعاية هذه العصابات بل ووقعت معهم اتفاقيات تعاون ونقل وهي مجرد ميلشيات متجاهلة في ذلك السلطة الشرعية في البلاد. ووصل الحد بالحوثي أن بدأ يهدد ويزمجر بالسيطرة على باب المندب وغزو الأماكن المقدسة في المملكة العربية السعودية. ثم وضعت حكومات الخليج خطأ أحمرا للحوثي بعدم التحرك تجاه عاصمة الحكومة الشرعية في عدن إلا أنه أبى واستكبر واستمر في اقتحام القرى ونهب المنازل وحرق المساجد والمدارس لا لشيء إلا لأنها سنية.
قدمت المملكة في تاريخها لليمن المساعدات التنموية والاقتصادية والعسكرية لحماية سلمه واقتصاده ولتحصينه ضد الإرهاب. ويوجد في السعودية ملايين اليمنيين يعملون فيه بكل راحة وحرية ويشاركون شعبها في خيراتها، وكثير منهم يحملون الجنسية السعودية، ولم تمتن الحكومة السعودية بذلك قط لأنها ترى فيهم أخوة ورعايتهم واجبة كرعاية المواطنين السعوديين، ورغم أخطأ على عبدالله صالح المتكررة ووقوفه ضد المملكة في أكثر من مناسبة، استمرت في دعمه بل وعالجته في افضل مستشفياتها بعد أن شارف على الاحتراق كليا في انفجار تعرض له. كل ذلك ولم تسأل السعودية عن مذهب اليمني أو قبيلته أو مكان إقامته. أما إيران، فقدمت مساعدات عسكرية ومستشارين عسكريين فقط لطائفة معينة من طوائفه لتدمر وتخرب وتسيطر.
أعمى انتشاء الحوثي بالقوة بصيرته فأخذ يقيم المناورات على حدود المملكة، ويدعمه في ذلك سراً الرئيس السابق الذي اكتشف فجأة أنه شيعي زيدي مجسداً بذلك أقصى درجات الخيانة. وامتدت النشوة الزائدة لمسئولي إيران الذين أخذوا يتبجحون بسيطرتهم على أربع عواصم عربية منها صنعاء، وأنه باحتلال اليمن تحول هلالهم الشيعي لكماشة شيعية محكمة على العرب وأن مسألة السيطرة على الأماكن المقدسة مسألة توقيت فقط. فوجدت دول الخليج والدول العربية أنها أمام مجاميع مجنونة انفلت عقالها وتشكل خطر داهم ما لم توقف، وتوقف بسرعة.
فأتت عملية حسم العاصفة لتنهي كل هذا الجدل العقيم وتوقف المسلسل الطويل من التأمر والكذب والخداع. كشرت المملكة ودول الخليج عن أنيابها فكان أول من ارتعب إيران ذاتها. وكما تقول الحكمة البدوية الشائعة: اضرب الكلب يستأدب الراعي. فما شاهدته إيران لم يخطر ببالها وقلب موازينها. صبرنا كثيرا على صلفها وتبجحها، ولكننا لن نتنازل لهم عن أهل لنا وجزء حي من جسدنا، اليمن، ولن نسمح لهم أن يمدوا رجلهم لأي جزء من أجزائه فذلك سيخل بتوازنهم.
ستنتهي حتما هذه القضية بأي شكل كان بخروج إيران بغير رجعة من اليمن، فلن تظفر إيران الفارسية بمسقط رأس الأمة العربية بأي تحالف كان أو سيكون. بل وربما يخرجها العرب حيث تمددت في أجزاء أخرى من الأمة العربية وأحست أنها آمنة، وربما يكون هلاك الحوثي مقدمة لخلاص من نصر الله وغيره من أطراف هذه الأفعى. أما نحن فسنساعد أخوتنا في اليمن في إصلاح ما افسده الحوثي وصالح وما دمروه في هذا البلد الجميل العزيز علينا جميعاً. بل وربما نمد العون لإيران ذاتها فيما لو نجح شعبها المكبل بالتخلص من حكم الملالي الذي جثم عليها لما يزيد عن أربعة عقود كان محصلة إنجازاتها سلسلة من الحروب المتتابعة. فنحن اليوم أمام جوقة من المجانين لا بد من لجمها لأنه لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يقدموا عليه.