د. جاسر الحربش
ليلة الأربعاء الماضي، ولم يكن هناك جديد بعد، انسحبت إلى الفراش مكتئباً من سوء الأخبار القادمة من اليمن. حاولت النوم وهيهات، لم يطل ليلي ولكن لم أنم، فقد كنت مفجوعاً ومذهولاً بسرعة اندفاع العصابات الإيرانية الحوثية عبر السهوب والوديان والجبال اليمنية وسهولة وصولها إلى عدن. رحت أتخيل وجه المجرم قاسم سليماني يحدق بي في الظلام ويبتسم بشماته. يا إله السماوات، أين أبناء اليمن أولئك العرب المشهود لهم بالبأس والصمود ورفض الوصاية، وهذه حفنة من الجهلة المؤدلجين ضد وطنهم وتاريخهم منفوخي الأشداق بالقات وزائغي العيون، ممهورين بشعارات وأدبيات أجنبية، يسرقون استحقاقات ثورة الشعب ضد رئيس فاسد مفسد ثم يتحالفون معه وهو المخلوع المطرود، كيف تستطيع هذه الحفنة شق الأرض اليمنية مثلما تشق السكين قالب الزبدة الرخو؟.
عبرت أمامي قوافل الأيتام والأرامل العراقيين المنتهكين والمشردين، بعد أن أطبقت عليهم آلة الجحيم الأمريكية الإيرانية، وعبرت جثث القتلي والمحروقين والمطمورين بفعل الغارات الإسرائيلية تحت الأنقاض في غزة، ثم أطفال وعجائز سوريا الذين تمت إبادتهم بالغازات السامة والبراميل المتفجرة. رحت أواسي نفسي بأن الأعداء تكاثروا عليهم هناك، أعداء أقوياء، لذلك تخلى عنهم إخوتهم في كل دول الجوار وتركوهم للذئاب الأجنبية. حاولت مغالبة أرقي وخداعه، لكن أخبار اليمن بالذات وانهياراتها المتتابعة بدون مقاومة كانت مما لا أستطيع الإفلات منه، فتلح عليَّ أفكار اليأس والقنوط واحتمالات تكرار نفض اليد العربية، هذه المرة من اليمن، رغم وقاحة العدو وتبجحه، ورغم توفر القدرة العربية على توجيه اللطمة الكافية لصرعه ورده إلى صوابه. أليست صنعاء هي أم العرب مثلما أن مكة مهوى أفئدتهم؟.
أخيراً استسلم الأرق لسلطان الإجهاد فغفوت لسويعات قليلة، لأصحو من جديد مهرولاً إلى شاشة التلفزيون أولاً ثم إلى مراجعة رسائل الهاتف الجوال، وعندئذ لم أصدق سمعي ولا بصري. الحمد لله والله أكبر، أخيراً لبى الإخوة نداء الواجب وحلقت صقور العرب في الأجواء وتحركت أسودهم على الأرض، لتطبق على العملاء والخونة وعبيد إيران في حصونهم وثكناتهم، ولتذكرهم بأن وعد الله حق وأن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله.
في تلك اللحظات الفاصلة بين الذل والكرامة أحسست لأول مرة منذ زمن طويل بأنني أتنفس هواءً عربياً نقياً خالياً من الشوائب، شوائب التردد والتأجيل وطلب الحوار من اللئام وتحمل إهانات قاسم سليماني والخامنئي وملاليه وعملائه. سبحان مبدل الأحوال، في لحظة واحدة صرت أحس بنشوة غامرة في صدري واعتزاز لا حدود له بصقورنا البواسل في السماء وأسودنا الكواسر على الأرض. حفظ الله صحراءنا المنبتة للبطولات التاريخية وحفظ لها قياداتها الشجاعة المدافعة عن ثوابتها وأهلها وأراضيها وأيدها بالنصر المبين.