د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
إن مما شجعني على طرح الرؤية قرارات السنابل التي أصدرها وزير التعليم في الأسبوع الماضي في حزمة تومض عن قادم جميل وبإذن الله في كل سنبلة مائة حبة؛ فسبحان الله القائل {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (50) سورة طه. كما كان من بواعثي أيضاً إحراق مراكب نقل المعلمين بما يدور حولها من أحاديث العامة والخاصة.
وإن الحصيلة السنوية لم تكن وافرة تغطي تكاليف الرحلة اليومية للمعلمين, وقد أعلنوا عبر كل أذن واعية؛ إن حركة النقل ليس لها من اسمها نصيب؛ فهي لا تتحرك في نظرهم!! وصادق على إعلانهم الأولون والآخرون ممن يشربون من ذات الكأس.
والقضية التي تطرح نفسها عند المفتتح هي: أن التعليم يسعى للمعرفة؛ وهي أسيرة أدواتها, ومصادرها, والمعلم مصدر أساس من مصادر المعرفة وهو أيضاً أسير إعداده، والإعداد هو الفضاء الذي تكثر فيه الطروحات والرؤى, وتُرسم لوحاته, وتكثّف ألوانها, وتعاد في كل معرض صياغة القناعات المطلوبة, وتبقى مجساتنا تنحو إلى التأهيل والترميم بما يحقق شيئاً من النضج في الأداء, وتحسين القدرات.
والإدراك السليم أن ننتقل إلى الإعداد في البنية الأساسية, تتصدرها الرغبة وإيمان الضمائر بهذه المهنة الشريفة السامية التي كلف الله عزّ وجل بها رسله, ليخرجوا أقوامهم من الظلمات إلى النور, وهذا الشأن في تأسيس المعرفة؛ لابد أن نقيم له وزناً وصوتاً, ليكون المعلم عاكساً ضوئياً لمشاعل المعرفة.
وأجزم أن هاجسنا جميعا تعليم يعانق السحاب, وحفز تجاه العقول والأرواح المتراصة على مقاعد الدراسة التي قد تتوجس مما تراه أمامها من ضحالة الفكر, وقد تشرق لها بعض الجوانب ولكنها تحتاج إلى طلاء آخر, وفي بعض الصور المضيئة يلج المعلم إلى أرواح الطلاب بعدما يأخذ حيزاً من عقولهم؛ كل ذاك مشاهد ومسموع ومنقول, وما زلنا نقفز فوق أسوار البدايات الصحيحة؛ فلا نوكل المهنة الشريفة إلى أهلها إلا ما جاء وليد الصدفة, ونأتي ببضاعة مزجاة ونطلب أن يُوفّى لنا الكيل ويُتصدّق علينا.
والنتيجة أن أصبح الانضباط في بعض مواقع التعليم فرجة من الوقت الضائع المختلس؛ ونتائج لا تشير إلى امتلاءات حلوة, إنما تشير في جلها إلى مسميات السنين التي قطعوها فلربما كان هناك إذعان لشروط الوقت المقدس المسمى بالحصص, وأتصور بفكري المتواضع أن عزيمة (عزّام) التعليم؛ سوف تفك طلاسمها.
نعم هناك أمنيات للمعلمين مازالت تعبأ في خزانات مؤجلة, وأحسب أنها تخالط الطلاب أمانيهم, في تعليم نقي مستقر لا تزلزله مكابدة الدنيا, والنتيجة أن تبتلع إحدى الأماني الأخرى والخسارة في كلا الحالين فادحة. وحتى لا يغادر المعلمون إلفة المدارس نتيجة مغادرتهم روابط وصلات يشدهم الحنين إليها, ولأن التعليم تربع وجوده في كل دوار ودائرة في بلادنا الغالية؛ وأنعم به من نهج نعمت به بلادنا, وعانقت السماء عطاء واحتفاء؛ ومع الابتهاج بقادم التعليم أسوق رؤية تنظيمية تربوية لعلها تكون فداء سميناً لإيقاف معارك النقل؛ ومجالاً خصباً لإشعال أرواح المعلمين شموعاً يهتدي بها الطلاب إلى دروب المعرفة, وأن لا يصيبهم الملل الذي يلدغهم فيغلقون نوافذهم عن قوارض الزمن التي ساقتها لهم المهنة الشريفة!!!
أجزم أننا جميعاً نتفق أنه يجب أن يكون التعليم تحت السيطرة تسلم جميع عناصره قيادها له بكل سهولة؛ وإليكم رؤيتي وهي أن تتبنى وزارة التعليم منهجية لاستقطاب المعلمين من طلبة المدارس وهم على مقاعد الدراسة في التعليم العام في المرحلة الثانوية قبل أن تتلقف الجامعات من يرغب ومن لايرغب, ويكون تحديد الاحتياج الفعلي من الجنسين وفق دراسات إسقاطية في كل منطقة ومحافظة ويحدد الاحتياج وفق عدد السنوات التي يحددها القائمون على التعليم، وبما يتطلّبه إتمامه، ولابد أن تُبنى برامج الاستقطاب للراغبين في التدريس بتحفيز متكامل منطلقه الرغبة والاستعداد والتميّز في التخصصات المطلوبة, كما يتطلب ذلك تصميم برامج تهيئة لأولئك المستقطبين قبل دخولهم مؤسسات الإعداد التربوية (الجامعات), وأن يتاح لاولئك الطلبة حضور بعض البرامج في مؤسسات الاعداد حضوراً مماثلاً لمن هم على مقاعد الكليات وتحدد نسبة الحضور بما لا يتعارض مع تلقّي الطلاب للخطة الدراسية في مدارسهم وربما تكون البرامج المناسبة هي التي تعقد في الأوقات ما بعد الدوام الرسمي للمدارس وعندما يدفع التعليم العام بأولئك إلى الكليات التربوية بأقسامها المختلفة بعد تخرجهم من المرحلة الثانوية وفق الأعداد المطلوبة في كل منطقة ومحافظة يمنح أولئك الطلبة مكافأة تحفيز مماثلة لما يمنح في القطاعات العسكرية، ومن متطلباته أيضاً صياغة نظام توظيف بالاتفاق مع وزارة الخدمة المدنية لأولئك المستقطبين يكفل التحاقهم بالخدمة في التعليم فور إتمام متطلبات الدراسة الأكاديمية, وفي ذات النطاقات التي اُستقطبوا منها كما أنه لابد من تخصيص مدارس كاملة تابعة للجامعات تكون محضناً لتدريب أولئك خلال سنوات الدراسة وتكون صلة الطلاب بتلك المدارس متصلة منذ التحاقهم بالجامعات وفي ذلك كله دعم للناقل التربوي والذراع الأول في ميدان التعليم وهو المعلم بما يحقق مردوداً إيجابياً ويبني إطاراً مؤسسياً لاستقطاب المتميزين للتدريس واستقرارهم في مواقع الاحتياج، وهذا مماثل لما تصنعه الشركات الكبرى باستقطاب المتميزين من الطلبة ودفعهم إلى محاضن أكاديمية توافق المعايير التي تنشدها تلك المؤسسات.
يقول أحمد شوقي
قم للمعلم وفّه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
وأقول:
ويطيب لي جني المفاخر أنني
كنتُ المعلم في السنين الأولى