سلمان بن محمد العُمري
من المسلّم به أن الفساد هو أعظم آفة تنخر القواعد الأساسية التي تنبني عليها الدول، وتقوم عليها الأمم والشعوب، ولا يمكن لأي دولة أن تنهض، وتتقدم في المجالات المختلفة، مع وجود الفساد الإداري والمالي، وغير ذلك.
والحديث عن أوجه الفساد المختلفة طويل ومتشعب، لكن يكفي أن نشير في هذه العجالة إلى ما رصدته وزارة العدل عن طريق لجان فحص الصكوك من وجود ما يناهز 110 ملايين متر مربع من الأراضي في كل من الرياض، ومكة المكرمة، وجدة، بقيمة إجمالية تقدر بحوالي 80 مليار ريال، تم الاستيلاء عليها، ونهبها بطرق قذرة، ووسائل غير شرعية، تدل على أن هناك (مافيات) متخصصة في نهب ثروات البلاد، وإشاعة الفساد بين العباد، فبعض هذه الأرضي تم نهبها بصكوك خصومات وهمية، وبعضها تم استخراج صكوك بطرق مخالفة للإجراءات الشرعية والنظامية.
وتفيد لجان الفحص أن هذه الصكوك يتم تداولها غالباً بين التجار المضاربين أنفسهم من أجل ما يسمى بعملية غسيل الصكوك، كما ورد في العدد (16919) من صحيفة الرياض.
فنحن -إذن- أمام عصابة منظمة محترفة، وعملية سرقة دقيقة يتم فيها استخدام نفس الوسائل التي يستخدمها تجار الأسلحة، والمخدرات، من التمويه، والتحايل على الأنظمة، وإجراء عمليات غسيل للأموال والمستندات.
ولنا أن نتصور ما تسببت فيه هذه العملية وحدها من أزمة خانقة في السكن، وارتفاع أجور السكن بشكل غير معقول، وحرمان الشباب من الحصول على مسكن للزواج وتكوين الأسرة، وما يترتب على ذلك من المفاسد الاجتماعية التي لا تعد ولا تحصى!!
ولنا بالمقابل أن نتصور لو أن هذه الأراضي الهائلة، لو وزعت بالعدل والمساواة بين المحتاجين الحقيقيين، فكم من شخص يكون قد حصل على مسكن له؟ وما أثر ذلك في حل أزمة السكن؟ وإذا نظرنا إلى ذلك المبلغ الضخم 80 مليار ريال، فكم ستكون نتائجه الإيجابية على الوطن والمجتمع وزيادة الأمن، لو أنه استثمر بطرق شرعية واقتصادية علمية، في مصانع، ومزارع؟ وكم من فرصة عمل سيكون قد وفرها؟ وما أثر ذلك في محاربة البطالة؟!
هذا ما يتعلق بهذه القضية وحدها، فما بالكم بالقضايا الأخرى، كقضية الفساد الفاضح التي حصلت في فيضانات جدة، وفضيحة فساد الأسهم، فكيف بعمليات الفساد التي لم تكتشف، أو اكتشفت، ولم يتم الإعلان عنها؟
والملاحظ أن هذه العمليات تبلغ عشرات المليارات، أي: أنها تبلغ ما يقارب ميزانيات بعض الدول الصغيرة، فكيف يمكن أن يصل الوطن إلى أهدافه التي رسمها له ولاة الأمر -حفظهم الله- مع وجود هذا الكم الهائل من الفساد، والهدر لموارد الدولة؟
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه
إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟!