أمل بنت فهد
كلما انحصرت أسباب الحياة.. يجنح الإنسان إلى الاستخفاف بالوقت ويتسرب معنى وجوده من بين يديه دون أن يشعر.. ليصبح اليوم امتداداً للأمس ولن يختلف كثيراً عن الغد.. ويمكن للطفل أن يجد في وجوده أكثر من ناضج تناثرت منه طموحاته وأحلامه.. ولا حياة أسخف ممن يعيش على حس المؤامرة المتوقعة والأعداء المحتملين.. يغرق في أوهامه ويحاول أن يختلق لها مبرراً وإن كان أبعد ما يكون عن المنطق والعقلانية.. كأنه قرر أن يكون محور الكون ومركز كل مصائب العالم ومتغيراته.. باختلاف أناسه وصعوبة عدهم.. واختلاف عقولهم وتوجهاتهم.. وتعدد لغاتهم وألوانهم وأشكالهم.. كل حدث يصل إليه لا بد أن يلوي مساره ليصب في بحر أوهامه.. فهو المستهدف في عقيدته وتراثه وعاداته وموروثه.. ولن تفهم معطيات المعادلة التي من خلالها وصل للنتيجة الخرافية.. لن تفهمها لأنها تكتب لمرة واحدة.. ولأنها غير منطقية لا يمكنه أن يكتبها من جديد بنفس الإحداثيات.. خالية من القوانين الطبيعية.. كلها اختلاق من هنا وهناك.. وجمع لأحداث غير مترابطة.. وإجبارها لتكون في النهاية مؤامرة شياطين لم يرهم أحد.. قاموا بفعلتهم وهربوا.. وهو مؤرخ التأريخ الذي لا تفوته شاردة ولا واردة.. لكن دون شواهد حقيقية.. إلا أن صاحبنا المستهدف قديماً وحديثاً ومستقبلاً.. وقع الآن في مطب التوثيق الذي يتكئ بثقله على الأدلة والبراهين.. وليس المنقول من الثقات الذين لا يعرفهم أحد كمثل شياطين المؤامرة المزعومة.
والعجب من الأتباع الذين سلموا بما يقوله.. دون أن يطلبوا إثباتاً واحداً.. لك أن تسأل كيف تعمل تلك العقول ولا تثيرها غريزة الشك التي نقلت الإنسان من قمة إلى قمة أخرى.. كيف لها أن توافق دون اعتراض.. أو حتى سؤال.. إنها آفة اعتقاد التميز والتفرد والأهمية والكمال.. فليس لعلم أن يقوم بذاته دون أن ترتبط جنابته بعلوم أخرى.. لكن عند أصحاب المؤامرة الكبرى.. يبقى القانون واحدا.. والهدف محدداً.. والنتيجة واحدة.. وإن كان وهماً وجنوناً لا يعرف للعقل رأياً أو صوتاً.
يكبر الوهم في المناطق التي تجرم السؤال والحوار والنقاش.. مثل طفل في بيئة مغلقة تظن السؤال انتهاكاً لقوانينها الصارمة والنهائية التي لا تقبل إلا الطاعة العمياء.. فالأبوية المتسلطة الجاهلة.. غالباً تنتظر من أطفالها رضوخاً تاماً سمته مجازاً بالبر.. ومرة بالأدب.. ومرة بالأخلاق.. مسميات كلها براء من معنى الأبوة وحقوقها.. فهي وجه جميل لأمر دميم اسمه السيطرة وإحكام الغلق في وجه قلق الأسئلة التي تقود بالضرورة إلى «الحرية».
وأي حرية لا تستطيع أن ترد على الأسئلة إلا بالسوط.. هي عبودية.. فالحرية تعبّر عن نفسها باحترام الذات والآخر.. وتدافع عن حماها بالقانون.. لذا يكثر من يدعيها.. وقليل من يستطيع أن يطبقها.. ليس لأنها صعبة أو عصية على الفهم.. لكن التخلص من الوصاية المغلفة بالأبوية.. اخراس لضجيج غريزة كان يمكن أن تهذب كغيرها من الغرائز دون أن تدمر طبيعة الإنسان بكبتها ومحاولة اجتثاثها.