عبدالعزيز السماري
في أوج مشاعر الخوف والهلع من إرهاب الخلايا النائمة، أفصح الكاتب المميز محمد آل الشيخ بشفافية عن تجربته الجريئة مع الخلايا الجذعية لعلاج داء السكر المزمن، وفتح ثغرات في جدار الأمية المعرفية التي يعاني منها المجتمع، وأعاد بعض من الأمل في نفوس الذين يعانون من وطأة إرهاب خلايا الأمراض المزمنة، وتعتبر تجربة العلاج بالخلايا الجذعية ثورة علمية تاريخية بكل المقاييس، قد تنقل الإنسان من طور إلى آخر في سيرته الطويلة في سباق كشف أسرار الكائنات الحية.
الخلايا الجذعية مكون أساسي من جسم الإِنسان، فعلى سبيل المثال عندما نتعرض لجرح بسيط، نلاحظ بعد أيام زوال الندبة المتشكلة من الجرح، بسبب أن الخلايا القاعدية في طبقة الجلد، وهي خلايا جذعية بالغة، تتجدد وتملك القدرة على ترميم سطح الجلد، كذلك ليس العلاج بالخلايا الجذعية بجديد في التجربة الإنسانية، فقد كان استخدام زرع النخاع العظمي في شكله الخام وجها من وجوه العلاج بالخلايا الجذعية التي استخدم تسريريًا لسنوات عديدة دون جدل في علاج سرطانات الدم وغيرها، لكن المتغير في الأمر في السنوات الأخيرة، نجاح العلماء في عزل وتنمية الخلايا الجذعية الجنينية، عبر إنتاج خلايا جذعية من خلال نقل نواة الخلية الجسدية إلى مزارع خلوية للخلايا الجذعية في المختبر..
يحدث ذلك في مرحلة مبكرة من التطور الجنيني بعمر حوالي 4-5 أيام في الإِنسان، وتتألف من 50-150 خلية، في هذه الحالة تكون الخلايا الجذعية متعددة الخيارات في نموها، ومستعدة للتفرع النوعي إلى جميع خلايا الجسم، ويعني ذلك أن الخلايا الجذعية في هذه الحالة قادرة على التنامي إلى أكثر من 200 نمط خلوي موجود في الجسم، على سبيل المثال إلى خلايا البنكرياس وخلايا القلب والأعصاب والكبد وغيرها من خلايا الجسم، مما يفتح الباب إلى استخداماتها بشكل موسع لترميم الجسم المصاب بمرض مزمن، ثم إعادة الوظائف إلى طبيعتها كما كانت.
تُصنف الخلايا الجذعية إلى خلايا جذعية جنينية وخلايا جذعية بالغة، وهنا يُطرح التساؤل الأهم، عن لماذا لا يتم استخدام الخلايا الجذعية البالغة في هذا المجال الحيوي، ولماذا يلجأ العلماء إلى الخلايا الجذعية للجنين في تكوينه المبكر، وتكمن العلة في أن للخلايا الجذعية الجنينة قدرة أكبر على التخصص والتفرع إلى جميع خلايا الجسد المتنوعة، وذلك لأنها تنتج إنزيم التيلوميريز (بالإنجليزية: Telomerase) الذي يساعدها على الانقسام باستمرار، في المقابل لا تنتج الخلايا الجذعية البالغة هذا الإنزيم إلا بكميات ضئيلة أو على فترات متباعدة مما يجعلها محدودة العمر. كذلك تتميز الخلايا الجذعية الجنينية بقدرتها على الخلود في المختبر، وبتميزها مناعيًا من خلال قبول الجسم لها وعدم ورفضها، وما زالت هذه الجزئية تحتاج مزيدا من الإثبات العملي..
يمكن الحصول على الخلايا الجذعية من المصادر التالية المشيمة والحبل الشوكي والسائل الأمنيوسي، ومن الأطفال والبالغين، والأجنة المجهضة، والفائض من لقائح أطفال الأنابيب والاستنساخ العلاجي، ومن أجل تجاوز قضية الخلاف المسيحي الغربي حول أخلاقية استخدام الخلايا الجذعية الجنينية، يعمل بعض الباحثين على محاولة إعادة الخلايا المتمايزة إلى أصلها (الخلايا الجذعية) فيما يُعرف بالتمايز العكسي، وقد يبدو ذلك بعيد المنال في الوقت الحاضر، لكن لا يُستعبد على الإطلاق الوصول إليه، لذلك لا يزال خيار الحصول عليها من الأجنة الأكثر فعالية في إنتاج الخلايا الجذعية لعلاج الأمراض.
ساهمت قرارات الرئيس جورج بوش الابن في عام 2001 في تقييد أبحاث نقل الخلايا الجذعية من الأجنة البشرية، لأسباب أخلاقية، تختبئ خلفها دوافع «دينية»، وقد عُرف عن بعض طوائف الدين المسيحي مواقف تحرم الإجهاض المبكر جدًا، قبل نفخ الروح، مهما كان السبب، وفي بعض الطوائف يصل التحريم إلى منع نقل الدم والأعضاء، وإن كان فيها إنقاذ لحياة مريض، لذلك أدى حظر جورج بوش للتمويل الحكومي للأبحاث على الخلايا الجذعية الجنينية إلى تراجع أبحاثها وتطبيقاتها في الولايات المتحدة، التي لديها القدرة على علاج أمراض مثل السكري وأمراض القلب والشلل الرعاش في التأخير في الوصول إلى النتائج.
يتحدث العلماء أن سياسة بوش أعاقت التقدم في مجال أبحاث الخلايا الجذعية عن طريق حرمانها من التمويل الحكومي، مما أدى إلى هجرة أفضل العلماء في الولايات المتحدة لإنشاء مختبرات في الخارج، ويفسر ذلك تطورها في الهند وأوكرانيا وألمانيا وغيرها، وفي عام 2009 رفع الرئيس باراك أوباما قيود إدارة بوش، مما يسمح بالحصول على التمويل الحكومي في استخدام الأجنة الفائضة من معامل الخصوبة المنتشرة، وذلك للحصول على خلايا جذعية للبحوث العلمية، كان من ثمارها الإعلان الأخير في ديسمبر الماضي عن توصل العلماء في جامعة هارفارد إلى علاج بالخلايا الجذعية للشفاء التام من داء السكر.
في الإسلام لا توجد خلافات فقهية حول نقل الدم أو نقل الأعضاء، كذلك يختلف الموقف الفقهي الإسلامي في قضايا الإجهاض عن المسيحية، وذلك لأسباب لها علاقة بتوقيت نفخ الروح في الجنين، والجدير بالذكر أن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السابعة عشرة ناقش موضوع الخلايا الجذعية، وأجاز فيها الحصول على الخلايا الجذعية وتنميتها واستخدامها بهدف العلاج أو لإجراء الأبحاث العلمية المباحة، إذا كان مصدرها مباحًا ومن ذلك المصادر الآتية، البالغون إذا أذنوا، ولم يكن في ذلك ضرر عليهم، الأطفال إذا أذن أولياؤهم، لمصلحة شرعية، وبدون ضرر عليهم، ومن المشيمة أو الحبل السري، وبإذن الوالدين، ومن الجنين المسقط تلقائيًا أو لسبب علاجي يجيزه الشرع، وبإذن الوالدين، ومن اللقائح الفائضة من مشروعات أطفال الأنابيب إذا وجدت وتبرع بها الوالدن.
أمام هذا الاختراق العلمي المثير، نحن أمام خيارين لا ثالث لهما، هما إما أن نشارك في هذه الخطوة العملاقة من خلال تأسيس مراكز متخصصة في أبحاث الخلايا الجذعية وعلاجها، وزيادة الدعم الحكومي للأبحاث في هذا الاتجاه، كما فعلت الهند والصين، أو نكتفي بدور المتفرج في أكبر نقلة علمية في التاريخ الحديث، ولعل من أهم أسباب تأخرنا في العصر أننا نفكر فقط في العلم من خلال آلية التفكير الديني أو منهج النقل الذي لا يقبل إلا المسلّمات، بينما يدرك العارفون في العلم التجريبي أن مصطلح «مُسّلمات» يخالف منهج الشكوكية المعرفي، الذي يقوم على أن المعرفة الحقيقية في حقل معين هي معرفة غير محققة أو مؤكدة، وتظل قابلة للنقض، وهو ما يعني أن منهج البحث العلمي خيار حتمي، وليس له نهاية أو حلقة أخيرة في حياة البشر، وهكذا، والله على ما أقول شهيد.