رقية الهويريني
دأب والدي -رحمه الله- على غرس نخلة في منزلنا الصغير كلما أنجبت أمي طفلاً، ويطلق عليها نفس اسم المولود الجديد! حتى صرنا نعرف النخل بأسمائنا وليس بأسمائها الحقيقية المختلفة! ونشأت علاقة محبة بيننا وبين النخل حيث لا نكاد نأكل بلحًا أو تمرًا إلا منها، وأصبح لدينا اكتفاء ذاتي منزلي من التمر، وبدأ كل واحد منا آنذاك ـ ونحن أطفال ـ يتفاخر بجودة تمر النخلة المسماة باسمه! والطريف أن إحدى أخواتي حينما سافرت لأمريكا اشتاقت للبلح المسمى باسمها فأرسلناه لها هناك!
واستمر عشق الزراعة داخل نفسي وطبقت ما فعله والدي بزراعة النخيل والشجر في منزلي ورعايته بل وتدليله، ولكنني أخفقت في دعوتي الناس للزراعة على المستوى الشخصي والأسري، وفشلت على مستوى الوطن في حث المسؤولين بضرورة تكرير مياه الصرف الصحي واستخدامه في الري، وما برح الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي هو هاجسي الأكبر.
ما دعاني لكتابة ذلك ما قرأته في جريدة (الرأي) حول إلزام الجامعة الأردنية طلبتها بزراعة شجرة خلال مراحل دراستهم الجامعية كشرط أساسي للتخرج! والهدف من ذلك هو ترسيخ المواطنة من خلال حب الشجرة والبيئة الخضراء في أذهان الطلبة، إضافة إلى غرس القيم النبيلة لديهم عن مهنة الزراعة واحترام المزارعين. وقد تم حتى كتابة المقال زراعة 400 شجرة، من لدن 400 طالب وطالبة من كليات الجامعة كافة!
وتخيلوا لو تم إلزام طلبة المعاهد والجامعات السعودية وطالباتها بزراعة الشجر ورعايته وتسميته بأسمائهم ونشر صور (سيلفي) مع الشجرة التي تحمل ذات الاسم، ومنها يعتادون على الجلوس تحت ظلالها فيتنفسون الهواء النظيف المرطب بالأكسجين الذي تنتجه الأشجار، فضلاً عن الهدف الأساس من ذلك وهو المحافظة على الغطاء النباتي والبيئة الخضراء التي تمثل رمزًا للخير والعطاء والانتماء للوطن العزيز، لا سيما نحن بالأصل بلد زراعي مازال بعض سكانه يحنون للزراعة والحرث والعودة للأرض الطيبة.
ولا أخالكم تختلفون معي على أن الأشجار والنباتات الخضراء تُفرح الروح وتُبهج النفس وتنشر الهدوء وتدعو للاسترخاء وتشعرنا بالأمن. ومن منّا لا يعشق اللون الأخضر ويستمتع بتغريد العصافير على أغصان الأشجار؟! وما بالك حينما تكون الشجرة تحمل اسمك وتراها تنمو وتتمدد وتزهر في الربيع وتثمر، وتورثها لأبنائك لتتحول بلادنا إلى جنةٍ من الشجر الأخضر؟!