رقية الهويريني
أصبح المواطن يتوجس خيفة عند بداية كل فعاليات ثقافية أو اجتماعية بسبب حالة الجدل العقيم التي تترافق معها بين فئتين متضادتين بالأفكار والقناعات! وفي كل عام أكتب عن التداعيات المصاحبة لبعض المواسم، وأتوسم قبلها خيراً ولكنها تخذلني وتفت عضد آمالي وطموحاتي السلمية كأي مواطن يعشق السلم والتعايش! ففي مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة تفاجأ بمن يحرّم حضورها ويحظرها على النساء دون الرجال برغم أن الوطن للجميع، والمتعة حق مكتسب طالما لا تتجاوز حريتها الآخرين!
وفي شهر مارس من كل عام يهل معرض الرياض الدولي للكتاب؛ فتتكالب عليه الظنون وتدور حوله الشكوك! حتى يكاد المرء يفرض على نفسه قيداً ذاتياً، ويقرر عدم الحضور كيلا يشاهد طياش سهام التوجيهات التي قد تأتي في غير محلها.
وأذكر أنه أثناء توقيعي لكتابي قبل سنتين طلب مني مذيع القناة الثقافية لقاءً قصيراً على هامش المعرض فحضرتْ إحدى المحتسبات تعظ وتحذر من الاختلاط برغم أن اللقاء وسط الجمهور، ورفض بعض المحتسبين تصويري مع أفراد عائلتي وأقاربي الرجال، وكان موقفاً كئيباً بحق!!
وبرغم أن معرض الكتاب هو بالأساس فكرة مشروع ثقافي سواء بتشجيع تداول الكتب وبيعها أو إحياء الندوات والمحاضرات التي يتم تنسيقها وفسحها من لدن وزارة الثقافة والإعلام؛ إلا أن هناك خلطاً بين هذه الفكرة وبين هاجس المؤامرة التغريبية حتى تحول معرض الكتاب ميداناً للصراع ومضماراً للصدام، مثلما حصل في ندوة «الشباب والفنون، دعوة للتعايش» التي أقيمت ضمن فعاليات المعرض، وقد أثارت صخباً أدى لإيقافها بعد أن قاطع محتسبون المحاضر بسبب تنديده بتدمير تنظيم داعش للآثار التاريخية في العراق. والعجيب أن الصورة الملتقطة للحدث يظهر فيها شعار المعرض بعنوان «الكتاب تعايش» بينما يحتد الصراع وتعم الفوضى ويشيع الصخب في المنصة بين المحاضر والمحتسبين بعيداً عن أي تعايش أو حوار!! وكأنه صار من المعتاد أن تكون المحاضرات ذات توجه واحد فقط، برغم أن ندوات المعرض في السنوات الماضية قد أكسبته شعبية أكثر من المحاضرات التقليدية المعتادة.
والحق أن المستوى الثقافي الاجتماعي الحالي لا يتوافق مع فكرة المشروع الريادي، حيث يصاحب المعرض التحذير والتخويف لدرجة أن أحد الواعظين وجّه تحذيره للشباب من الذهاب دون مرافق واعٍ يرشده للكتب المفيدة ويصرفه عن الضار منها! وهذا بلا شك فرض للوصاية على الفكر! والعجيب أن الفرد ذاته يمكنه الذهاب إلى أية مكتبة دون تلك الوصاية!
فأين التعايش المطلوب؟! وأين الحوار المنشود؟!!