ليلة ليست كالليالي.. لفها هدوء صاخب.. وهمسات تراوح هنا وهناك.. وقلبي معلق بحبيبتي وهي في غرفة العناية المركزة مع الأطباء.. ما الذي يدور في تلك الغرفة.. وما الخبر الذي سينقلونه لنا.. وبعد فترة ترقب وانتظار جاء الجواب.. رحلت الحبيبة الغالية.. وفارقتكم إلى جوار الرحمن.
عندها انتابتني عدة مشاعر.. كان أقواها التسليم لأمر الواحد الديان والرضاء بالقضاء.
أحقا رحلت حبيبتي ونور عيني عن دنيانا؟!
أحقاً غادرت أمي (سارة) ولن نراها بعد الآن؟!
آه يا أماه.. أهكذا ترحلين وتتركيننا.. أي قلب بعدك سيحتويني.. أي عطف وحنان بعدك سيرويني.. أي بسمة صادقة مثل بسمتك سوف تحييني.. أحقاً رحلت عن دنيانا يا أماه!!
كنت لي ولأخوتي شعاع النهار الباسم.. ودفء الليل الحاني.. منك نستمد التوفيق بصادق دعائك.. ونصبر على مصائب الدنيا بصادق نصحك وحبك.. ونهرك الجاري الذي يتدفق عطاءً صادقا لا يشبهه عطاء.. قصتي معك يا حبيبتي قصة حياة.. وفقدي لك فقد حياة..!!
كنت أخطئ فتصفحين.. وإذا أحسنت فأنت تشكرين.. كنت طفلاً بين يديك في كل مراحل حياتي وأنت لا تبخلين.. لقد ذقت طعم اليتم بعدك حتى لو جاوزت الأربعين.. وكيف لا أشعر باليتم وقد فقدت بفقدك أحلى أيام السنين.
عندما قالوا رحلت (سارة) تماسكت والقلب يعتصره الألم.. لكي أصبر إخوتي وهم لفراقها يبكون:
أصبر إخوتي في كل جمع
وفي الخلوات أطلق مقلتيا
أداري صرخة في القلب حرى
وأكظم بين جنبي الدويا
أماه لا تكفيك دموع العين.. بل دماء القلب.. وزفرات الحنين:
يا راحلين عن الحياة.. وساكنين بأضلعي
هل تسمعون توجعي.. وتوجع الدنيا معي
أماه.. لم أعرف معنى الحب والوفاء بعد رحيلك إلا عندما تساقطت دمعات أبي المحب الصادق حزناً عليك.. متذكراً عشرة السنين وتباريح الحنين.. ليقول لنا.. أمكم كانت صوامة قوامة.. راضية مرضية.. ثم يناجي ربه بدموعه ويقول.. اللهم إني قد رضيت عنها فارض عنها.
لم ولن أنسى عندما وقف ذلك الرجل الوفي على قبرك.. ودموعه تحكي حنينه لفراقك يا أماه.. عندها عرفت كيف يكون الحب والوفاء.. الذي تترجمه الدموع.. وتبوح به المشاعر بكل صدق ونقاء.
أماه.. لست عندي كالنساء.. بل أنت أعظم النساء.. أنت الحب والوفاء.. أنت العطف والحنان.. أنت البركة التي كانت سر التوفيق والنجاح.. أنت باب الجنة وطريقها.. أنت.. أنت.. أنت أمي وكفى.. بل أنت الحياة..!!
أماه.. الشجون فيك كثيرة.. وعباراتي أقل من مقامك في نفسي.. وهنا أرى العجز يقيدني ويبعثر قلمي.. فأنا ما بين محب عاشق.. وكسير القلب حزناً لفراقك.
لذلك أعتذر لك يا أماه على التقصير في ضعف التعبير.. وأعتذر لك عن كل زلل وقع مني تجاهك.. وأعتذر لروحك الطاهرة اعتذار الأبن المقصر في حق غاليته وحبيبته.
أمي.. رحلت عن دنيا الهموم، إلى روضة في دار النعيم.. سيفقدك الصيام وترانيم الحنين.. محراب غرفتك كان يشدو بجزل التسبيح والقرآن.. وقلبك يا حبيبتي كان سكناً للحنان لكل من عرفك.. وكان قلباً متعلقاً بالرحمن.
أمي.. رحلت وقد ودعت الجميع.. وكأنك تعلمين قرب الرحيل.. دعوت ربك يا أماه دعوات.. فكانت الإجابة من الجليل لك.
فرحلت بهدوء عجيب.. وبكاك خلق كثير.. عشت واقفة.. ورحلت عن الدنيا واقفة كما كنت تتمنين.. رحلت والجميع يحبك وكأنك تنثرين الورود على قبرك.. استعداداً لليلة النور والضياء والريحان من رب كريم.. رحلت يا أماه وقلوب المحبين هي من شيعتك إلى قبرك.. ودعت أيامك الأخيرة من الدنيا في مدينة رسولنا الحبيب.. فكان مسك الختام لحياتك أيتها الغالية.
إلى جنات الخلد يا أماه.. إلى روح وريحان ورب راض غير غضبان.. دفناك هناك يا أماه في قبر بالدرعية.. ولكنني دفنت قلبي معك.. فوداعاً يا حبيبتي.. ووداعاً لقلبي معك..!!
- د. أحمد بن عبدالرحمن الطويل