د. أحمد الفراج
أصبح لدينا مسرح كوميدي مفتوح من خلال تويتر، ومجاني على مدار الساعة، فهناك تجد ذلك المغرد المرجوج، الذي سخر وقته وجهده لفضح «التصهين» كما يزعم، ويعزز له في ذلك مغرد آخر، يسمى «المادة الحارقة»، وذلك لأنه متخصص بقذف خصومه بالمواد الحارقة، وهناك فئام من المتابعين، يسميهم جمهور تويتر بالقطيع، والواحد منهم يكتفي بالفرجة على المسرح، وإعادة التغريد، وإذا ما قرر المشاركة في الحفلة، فإنه يكتفي بالعبارة الراسخة: «في نص الجبهة»، ولا تستهينوا أبدا بهذه العبارة التي تبدو ساذجة، لأنّها هي الوقود الذي يحرك المغردين، أمثال «فاضح التصهين» المزعوم و»المادة الحارقة»!
المغرد الذي تخصص في «تفكيك» خطاب التصهين كما يزعم هو شخص كوميدي من طراز فاخر، شكلا ومضمونا، فهو يعتقد أن من يترجم كتابا إلى العربية يصبح هو مؤلف ذلك الكتاب!!، كما أنه انتقائي في رمي تهم «الصهينة» على الخصوم بينما هو الأحق بذلك، ففي الوقت الذي يتهم فيه قناة تلفزيونية محترمة بأنها «متصهينة»، ويقول إن القائمين عليها «متصهينون»، نجد أنه يهيم حباً بقناة تلفزيونية أخرى مغرمة بالإسرائيليين، وفي الوقت الذي يتهم فيه مسؤولين خليجيين بالتصهين، نجد أنه يدافع باستماتة عن زعيم إقليمي غير عربي ترتبط دولته بعلاقات خاصة مع إسرائيل، ويرتبط هو بعلاقات وطيدة مع كل زعامات إسرائيل.
هناك تناغم عجيب في تويتر بين «صائد المتصهينين»، وصديقه الذي لا زال يبحث عن «الأشياء التي لا تشترى»، أو من يطلق عليه «المادة الحارقة»، فهذا يغرد، وذاك يعزز، ولا يهم الأخير أنه متناقض، إِذْ إنه يعشق الشاعر العروبي العظيم أمل دنقل، الذي اشتهر بعدائه لإسرائيل، واحتج على الصلح معها بقصيدته التاريخية «لا تصالح»، وفي ذات الوقت يمجد الزعيم غير العربي الذي يرتبط بعلاقات خاصة مع إسرائيل، ومن هذا المنطلق تحديدا، أقول إن تويتر عبارة عن مسرح كوميدي، ولو أقيم حفل أوسكار لأفضل المغردين «الكوميديان»، فسيفوز صاحب تفكيك الخطاب المتصهين بجائزة أفضل ممثل، وسيحصد «المادة الحارقة» على جائزة أفضل ممثل مساعد، وربما أني أعرف من هو «المنتج» لأفلام هذين المغردين التويترية، لكني لا زلت حائرا في معرفة «المخرج»، ليتسنى لي شكره، فقد عوضنا عن السينما والمسرح معا، فهناك «ممثلون» من كل الأطياف الفكرية، وهناك جمهور لكلا الفريقين، يصرخ: «والله يا هو شق جبهته»، وهناك «أكشن» لا يتوقف على مدار الساعة، فالشكر كل الشكر للقائمين على ذلك، وللمنفذين، وشخصياً لن أطالب بمسرح وسينما في المستقبل، ففي وجود تويتر، لا نحتاج لذلك، أليس كذلك؟!.