فضل بن سعد البوعينين
في الغالب ينتج الفقر عن عدم قدرة رب الأسرة؛ أو أفرادها؛ على العمل والكسب؛ ما يؤدي إلى انقطاع دخل الأسرة؛ وبالتالي عدم قدرتها على مواجهة أعباء الحياة ومتطلبات العيش الكريم.
أصبحت المرأة جزءا رئيسا من منظومة الدخل الأسري؛ بل ربما تفوقت في كثير من الأحيان على الرجل في المثابرة؛ والإصرار على طلب الرزق الحلال.
وهذا لا ينطبق على المرأة المتعلمة فحسب؛ بل ينطبق أيضا على غير المتعلمات؛ اللاتي يشقين من أجل تربية الأبناء والإنفاق عليهم في غياب الأب.
«الأسر المنتجة» شكلت الهدف الرئيس لبعض الجهات التنموية التي رأت فيها نواة الدعم الأسري؛ القائم على الإنتاج والعمل.
وبرغم المعوقات المتنوعة؛ إلا أن إصرار تلك الجهات على تبني مشروع تنمية الأسرة؛ وزيادة مواردها المالية؛ ساهم في تحويل الحلم إلى حقيقة على أرض الواقع.
الهيئة العامة للسياحة والآثار كانت في مقدمة الداعمين لمشروع «الأسر المنتجة» في السعودية؛ ثم ألحقتها بمشروع «الحرف اليدوية» الذي يعتبر جزءًا لا يتجزأ من أنشطة الأسر المنتجة.
إطلاق البرناج الوطني لتنمية وتطوير الحرف والصناعات اليدوية (بارع)، ربما أسهم في دعم الأسر المنتجة من خلال تطوير قدرات الحرفيين والحرفيات ومساعدتهم على الإنتاج النوعي وإيجاد الدعم والتمويل ومنافذ التوزيع الداعمة للإنتاج.
يحقق البرنامج؛ عوضا عن أهدافه الاقتصادية والتنموية؛ هدف الاهتمام بالموروث الحضاري، وقطاع الحرف والصناعات اليدوية على وجه الخصوص.
«بارع» سيسهم في توفير الفرص الوظيفية، والاستثمارية؛ ونشر ثقافة الإنتاج اليدوي؛ وسيساعد على توظيف قطاع الحرف والصناعات اليدوية اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا. الحرفة من أهم أدوات مكافحة الفقر؛ وهي مفتاح المشروعات الصغيرة القادرة على الصمود والنمو ودعم اقتصاد الأسرة والمجتمع.
الحديث عن قطاع الحرف اليدوية لا يكتمل إلا بالإشارة إلى «جمعية حرفة» بالقصيم؛ التي كان لها قصب السبق بالاهتمام بالحرف اليدوية النسائية؛ ونقل المعرفة من جيل إلى جيل من خلال معهد متخصص ودعم شامل. أثبتت تجربة «جمعية حرفة» الداعمة للأسر المنتجة؛ وتطوير الحرف اليدوية؛ أنها قادرة على معالجة مسببات الفقر؛ وتوفير الدخل الكريم للأسر وفق نظام مجتمعي متكامل.
مصطلح «الأسر المنتجة» ربما تحول إلى «الأسر العاملة» خاصة مع تطور عمليات الإنتاج المنزلي ودخول التقنيات الحديثة التي أسهمت في تمكين أفراد الأسرة من إدارة تجارتهم من خلال المواقع الإلكترونية.
لم يعد الإنتاج المنزلي ركيزة الأسرة؛ بل أصبحت الخيارات متاحة أمامها؛ وبالتالي يمكن إطلاق مسمى «الأسر العاملة» عليها وهو مصطلح ربما كان أكثر شمولية وأدق توصيفا للأنشطة المنزلية.
الهيئة الملكية بالجبيل أطلقت يوم أمس؛ مبادرتها لدعم الأسر المنتجة وأصحاب الحرف اليدوية بالجبيل الصناعية؛ برعاية الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز؛ أمير المنطقة الشرقية؛ الذي أعاد صياغة المهرجانات السياحية في المنطقة لتكون أكثر ارتباطا بالأنشطة المجتمعية ودعم الأسر المنتجة والشباب الباحث عن الفرص التجارية الواعدة.
الأمير سعود بن نايف شدد على تنمية السياحة الداخلية لما فيها من خير عظيم؛ وانعكاسات اقتصادية على المجتمع.
أكثر من 270 أسرة منتجة و20 حرفياً، سيجدون فرصتهم في العرض والتسويق من خلال «مهرجان التراث والأسر المنتجة» الذي أتمنى أن يتمخض عنه مقرا دائما للأسر المنتجة في الجبيل؛ وسوقا إسبوعية تسهم في تحفيز الأسر المنتجة وأصحاب الحرف على تسويق منتجاتهم من خلالها.
أثق في قدرة الهيئة الملكية على دعم «الأسر العاملة» بمفهومها الشامل؛ ودورها الفاعل في تشجيع الحرف اليدوية؛ وتطويرها؛ وتهيئة سبل نجاحها. دورها الرائد في حاجة إلى أدوار مماثلة من القطاع الصناعي في الجبيل الصناعية على أن يمتد نفعه إلى المدينتين المتلاصقتين.
دعم الأسر العاملة والحرف يحتاج إلى إنفاق مالي وخطط إستراتيجية قادرة على توجيهه وإنجاحه. الشركات البتروكيماوية قادرة على تحقيق ذلك الهدف بسهولة.
بعض الشركات قدمت مبادرات مثمرة؛ وكل ما نرجوه أن تقوم الشركات الأخرى بدورها المجتمعي الداعم للبيئة الحاضنة.
دعم «الأسر العاملة» والحرفيين يسهم في دعم اقتصاديات المجتمع؛ ونقل التراث السعودي وتوثيقه بين الأجيال؛ وخلق طلب مستمر على منتجاته؛ وإيجاد قنوات تمويل مناسبة؛ وخطط دعم منهجية على المدى البعيد؛ وهي من الأهداف الوطنية ولاشك.
التجارب الناجحة تحتاج دائما إلى دعم وتعميم في جميع مناطق المملكة؛ وتحتاج إلى التوسع بها وبما يحقق هدف منظومة العمل الحرفي والأسري وتوفير مصادر دخل كريمة تسهم في الجهود الرامية لمكافحة الفقر.