فضل بن سعد البوعينين
تتصدر التشريعات الحكومية مؤشر قياس التنافسية العالمية، وتتحكّم بشكل رئيس في التدفقات الأجنبية التي تعتمد بشكل كلي على قوانين وأنظمة الاستثمار المعمول بها في الدول المستهدفة، وتُحفز الاستثمارات المحلية التي تحتاج دائماً إلى البيئة الاستثمارية الجاذبة.
اهتمت المملكة، في سعيها لتطوير بيئة الاستثمار، بإصدار تشريعات متوافقة مع متطلبات منظمة التجارة العالمية من جهة، ومحفزة للتدفقات الأجنبية والمحلية من جهة أخرى، وسعت إلى تحديث بعض تشريعاتها القائمة للحد من انعكاساتها السلبية، أو تعارضها مع التشريعات الخاصة بالاستثمار.
وبعد أن كان تركيز الهيئة العامة للاستثمار منصباً على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، أصبحت اليوم أكثر تركيزاً على تشجيع الاستثمارات المحلية من أجل تحقيق التوازن الأمثل الداعم للاقتصاد، ما فرض عليها مراجعة التشريعات ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بالاستثمار، وإلغاء عدد كبير من التراخيص السابقة وغير المتوافقة مع الرؤية الإستراتيجية للاستثمار الأجنبي، أو تلك التي خالفت نظام الاستثمار وقواعده الرئيسة، وهو أمر مُقدّر لمسؤولي الهيئة الذين عالجوا الكثير من أخطاء الماضي.
قطاع الاستثمار من القطاعات المتشعبة والحساسة التي تحتاج دائماً إلى عناية خاصة لضمان استكمال البنى التحتية والتشريعات المنظمة والمحفزة للاستثمار الداخلي والخارجي، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بتوفر الرؤية الحكومية الإستراتيجية والشراكة الفاعلة بين وزاراتها ومؤسساتها من جهة، وبينها مجتمعة وبين الهيئة العامة للاستثمار.. كل ما يصدر عن وزارات الدولة يؤثر سلباً وإيجاباً على قطاع الاستثمار، وهو القطاع الداعم لتحقيق الإستراتيجيات الوطنية، ومعالجة بعض أزماتنا الاقتصادية وفي مقدمها تنويع الاقتصاد، تنويع مصادر الدخل، البطالة، توطين الصناعة.
يبدو أن التنسيق بين وزارات الدولة ومؤسساتها ما زال غائباً، وهو ما دفع هيئة الاستثمار للتحفظ على عدم إشراكها من قِبل بعض الجهات الحكومية في دراسة بعض التشريعات والأنظمة ذات العلاقة بعملها.. غياب هيئة الاستثمار عن المشاركة في دراسة بعض التشريعات والقرارات والأنظمة المؤثرة عليها أمر غير مبرر، خصوصاً أن علاقة الهيئة، بغالبية وزارات الدولة، علاقة مصيرية ومؤثرة.
جريدة «الوطن» السعودية كتبت عن شكوى «هيئة الاستثمار» التي رفعتها إلى الجهات العليا بخصوص «صدور أو تعديل عدد من الأنظمة والقرارات من دون مشاركة الهيئة في درسها، والتي لها أثر في الاستثمار المحلي والأجنبي، وتأثير مباشر في تعزيز تنافسية البيئة الاستثمارية في المملكة وفق معايير ومؤشرات التنافسية العالمية».
أتفق تماماً مع الإجراء المُتخذ حيال عدم مشاركة الهيئة في مشروعات الأنظمة واللوائح المرتبطة، أو المؤثرة في البيئة الاستثمارية، خصوصاً مع وجود توجيهات رسمية سامية تنص على أن تكون هيئة الاستثمار على دراية تامة بمشروعات الأنظمة واللوائح المرتبطة بعملها والصادرة من الوزارات الحكومية، من أجل إبداء الرأي والمشورة قبل اعتمادها رسمياً.
ما زالت بعض وزارات الدولة تعمل وفق آلية «الجزر المنفصلة»، وهذا لا يسهم البتة في تحقيق الأهداف الإستراتيجية التي يفترض أن تكون الحكومة معنية بتحقيقها.. أجزم أن من أهداف إنشاء «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية» معالجة تلك المشكلة، إلا أن آلية عضويته قد تحرم الهيئات الحكومية المهمة من الاستفادة من العمل التنسيقي والتكاملي المتوقع تحقيقه.. هيئة الاستثمار أكثر ارتباطاً بوزارات المجلس، والأكثر انكشافاً على مخرجاتها التشريعية، لذا أتمنى أن يكون «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية» معنياً بقرار تحديث مشروعات الأنظمة واللوائح في الوزارات المختلفة، على أن يتم إطلاع الهيئة عليها من أجل «إبداء الرأي والمشورة» قبل اعتمادها من المقام السامي، لضمان تحقيق هدف التكامل في المشروعات الحكومية المؤثرة، ولكشف تأثير الأنظمة واللوائح على الاستثمار الأجنبي والمحلي في المملكة، فيكون المجلس معنياً بإطلاع هيئة الاستثمار وأخذ مرئياتها بدلاً من الوزارة لضمان تنفيذ التوجيهات السامية، ويكون سمو رئيس المجلس ممثلاً أيضاً لمجلسه الاقتصادي في مجلس الشؤون السياسية والأمنية، وبما يحقق التكامل التام والتنسيق الأمثل ومواجهة التحديات المؤثرة سلباً على بيئة الاستثمار والتنمية بشكل عام.
تحقيق متطلبات ومعايير البيئة التنافسية العالمية أمر غاية في الأهمية، خصوصاً فيما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية المعنية بنقل التقنية وتوطين الصناعة وتنويع قطاعات الإنتاج، إضافة إلى أهميتها القصوى لتحفيز الاستثمارات المحلية التي تُشكّل المحرك الرئيس للتنمية المستدامة، والقاعدة الصلبة لإستراتيجية تنويع قطاعات الاقتصاد، وهو أمر لا يمكن إدراكه بمعزل عن التشريعات المتناغمة، والداعمة للاستثمار.