أ. د.عثمان بن صالح العامر
* قال هذه الكلمات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصحابي الجليل أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - وهو من هو في سبقه للإسلام وحُسن إسلامه. فعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها». أخرجه مسلم. وهذا يعني أن الوظائف العامة تحتاج إلى أمرين أساسيَّيْن «القوة» و»الأمانة»، ولا علاقة لها بصلاح الشخص الذاتي وعبادته الخاصة؛ فهذه بينه وبين ربه إلا ما كان منها سبباً في تحقق الأمانة عنده. والمراد بالقوة هنا القوة في دلالتها العامة، خاصة القوة العلمية المعرفية أو المهارية الفعلية، والقوة في اتخاذ القرار، والقوة في إدارة الأفراد ومعرفة الناس ومنح الثقة لهم بتفويض الصلاحيات لهم، والقوة في المتابعة والرصد ومن ثم المحاسبة وإنزال العقاب، والقوة في مواجهة التحديات واستغلال الفرص وعدم إضاعتها. وقد تختلف القوة اختلافاً نسبياً باختلاف المهمة الموكل إليه القيام بها، وطبيعة المجتمع الذي يعمل لتلبية احتياجاته، والظرف الزماني والمكاني، والوضع الاقتصادي والسياسي.
* (كان زياد إذا ولى رجلاً قال له: خذ عهدك وسر إلى عملك، واعلم أنك مصروف رأس سنتك، وأنك تصير إلى أربع خلال فاختر لنفسك: إنا إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلنا بك لضعفك وسلّمتك من معرتنا أمانتك، وإن وجدناك خائناً قوياً استهنا بقوتك وأحسنا على خيانتك أدبك، فأوجعنا ظهرك، وأثقلنا غرمك، وإن جمعت علينا الجرمين، جمعنا عليك المضرتين، وإن وجدناك أميناً قوياً زدناك في عملك، ورفعنا لك ذكرك، وكثرنا مالك وأوطأنا عقبك).
* إننا ونحن - أبناء هذا الوطن المعطاء - نبدأ عهداً جديداً في ظل رعاية الله - عز وجل - ثم ولاية سلمان بن عبد العزيز نلمس التغير الملحوظ في اختيار الأمراء والوزراء والمستشارين وشاغلي الوظائف الممتازة ومَن على شاكلتهم، الذي بدأت طوالعه منذ الأيام الأولى من تسنم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - وفقه الله وسدد على الخير خطاه - مقاليد الحكم، وما زالت. والمؤشرات والشواهد تدل على أن الدولة المباركة ماضية وبقوة نحو التصحيح والمواجهة والتطوير في جميع مجالات التنمية، وعلى المستويات كافة، وفي جميع المناطق. والمتوخى أن يكون أساس الاختيار لشغل هذا المنصب أو ذاك - كما يبدو - «القوة» و»الأمانة»، رغبة صادقة من لدن صناع القرار ومتخذيه في إنجاز المشاريع المخطط لها، وتحقيق التنمية المستدامة، وتحقق الرفاهية التي ينشدها ولي الأمر، ويتطلع لها كل مواطن ومقيم وزائر.
إنَّ المرحلة التي نحياها اليوم تتطلب تضافر الأمناء الأقوياء تنمية للوطن وتحقيقاً لسلامة المواطن وسعادته وعيشه الكريم. ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يترأسه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، عضو مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس الديوان الملكي والمستشار الخاص للملك، انبرى وبكل قوة لهذا الأمر. وما خطواته الحثيثة خلال الأيام القليلة الماضية إلا دليل وشاهد قوي على النهج الجديد في مسار الإصلاح الوطني المنشود.
* بقي أن أشير إلى أن تقويم الإنجاز واتخاذ القرار في حق أي منا ليس قدحاً في ذات الشخص؛ فالنظر من المشرع منصبّ نحو النمط الإداري الذي ينهجه المنفذ، والعمل الذي يقوم به، فقد يكون من أزكى الناس وأحسنهم خلقاً وأكثرهم صدقة وعطاء لكنه ضعيف في مواطن القوة، عاجز حين اتخاذ القرار، متردد في تنفيذ الاستراتيجيات، يضخم التحديات والتهديدات، ويضيع الفرص، ولا يعمل على تعزيز مواطن القوة وتلافي نقاط الضعف والمؤاخذة، فيقف حيثما كان، والزمن يمضي، والناس تطالب، والنتيجة لا شيء يُذكر!!
لقد كانت مقولة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصحابي الجليل جندب بن جنادة الغفاري - رضي الله عنه - قاعدة إدارية مهمة، وعنواناً جميلاً للإصلاح الإداري المنشود، ونهجاً نبوياً رائعاً للقادة والمخططين ومتخذي القرار. دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود. ودمت عزيزاً يا وطني. وإلى لقاء. والسلام.