أ. د.عثمان بن صالح العامر
أكتب هذا المقال وعلى طاولتي ما يربو على الثلاثين كتاباً كلها في موضوع واحد أبحث فيه وأدور في فلكه منذ أسبوع، وجزماً أن كل مثقف أو باحث متخصص أو أكاديمي متمرس هو ذلك الإنسان الذي لا يمكن أن يستغني عن الكتاب المعروف يوماً واحداً في حياته خاصة نحن جيل الأمس الذين ما زلنا نجد المتعة والأنس بالقراءة في الكتاب الورقي لا الإلكتروني الذي صار اليوم متاحاً بشكل كبير وفي متناول اليد وبلا مقابل.
لقد أثير من قبل موضوع مستقبل الصحافة الورقية في ظل وجود التقنية المتقدّمة، وفي ذات السياق وعلى نفس المنوال ينطرح سؤال عريض في الساحة الثقافية عن مستقبل الكتاب الورقي لدى الجيل الجديد خلافنا نحن الذين تعودنا عليه ولا يمكن أن نستغني عنه كما ورد أعلاه.
المؤشرات والدلائل والواقع الذي نراه أن الكتاب الإلكتروني ما زال عاجزاً عن مزاحمة المنتج الورقي المعروف ولا أدل على ذلك من تسابق الشباب والفتيات طلاب وطالبات المرحلة الجامعية وما دون لاقتناء الكتاب الورقي المعروف والبحث عنه في أرفف المكتبات وتوصية بعضهم البعض بشرائه مهما كان ثمنه وأين كان مكانه مع وجوده في مواقع الإنترنت وإمكانية الحصول عليه بلا مشقة أو عنت، بل مجرد ضغطة زر، واسأل به خبيرا.
إن هذه الحقيقة تفسر لنا سر الإقبال الكبير الذي تشهده معارض الكتاب «المحلي منها والدولي» خاصة معرض الرياض الذي أخذ وضعه واستطاع أن يحفر اسمه بين المعارض العالمية، علاوة على أن هذا الحدث مناسبة مواتية:
* للالتقاء بالمثقفين والكتّاب مبدعي الحرف وصانعي الرؤى والأفكار.
* الاطلاع على الجديد في عالم النشر والطباعة.
* سبر أغوار السوق السعودي للكتاب، ومن ثم الكتابة عن اتجاهات القراءة في مجتمعنا المحلي النسائية أو الرجالية.
إنني في كل عام أنتقل من حائل - مدينتي التي أقطنها- للعاصمة الرياض من أجل زيارة المعرض والتعرّف على الجديد في عالم النشر، أتحسر ويحز في نفسي وأنا أرى حافلات كليات ومدارس العاصمة الرياض وما حولها الأهلية منها والحكومية تحضر طلابها وطالباتها في التعليم العام فضلاً عن العالي من أجل التسوّق العلمي وشراء ما يرغبون فيه من كتب بأنفسهم لا بالوكالة أو الوصاية والتوصية.. نعم أتحسر لعدم تمكن مناطقنا التعليمية الأخرى - حسب علمي - من اختيار مجموعة منتقاة من طلابها وتسيير حافلتها لهذا المكان الذي يحتضن ويحتفي بحدث معرفي هام، فهو حدث يستحق ذلك منا، وأبناؤنا المصطفون للمشاركة ستكون هذا الرحلة محفورة في ذاكرتهم ولن تنسى، وربما كان البداية الفعلية لارتباطهم الحقيقي بالمنجز المعرفي والفعاليات العلمية التي تُقام في بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية.
الكتاب يستحق أن تشدُ في البحث عنه الرحال، ويسافر في طلبه الركبان، ويفخر بالاحتفاظ به الفتيات والفتيان، ولذلك أهيب بالمسئولين عن التعليم العالي والعام ونحن ننتظر غداً انطلاق معرض الرياض الدولي للكتاب في دورته الجديدة أن ييسروا لأبنائنا وبناتنا زيارة أرض المعارض ومن ثم اختيار ما يشاءون من كتب بأنفسهم هم دون وجود وسيط أكبر، وأذكرّ هؤلاء النشء بأهمية تخليد هذا الحدث بتدوين تاريخ شراء الكتاب والمكتبة التي باعته له في الصفحة الأولى الفارغة، ولعل وزارة التعليم تشجع هذا المقترح في التوجيه لمن يلزم بتوفير وسائل النقل المناسبة والسكن الملائم لهؤلاء الراحلين في سبيل البحث عن الكتاب دون أن يتحمّل الطالب أي تكاليف مالية.
لقد كنا وما زلنا ننتقل إلى القاهرة ودمشق والشارقة بحثاً عن الجيد الجديد في عالم الكتب وكانت المشكلة الكبرى التي تعترضنا سنوات مضت الوزن الزائد وكم هي القصص والحكايات التي حدثت لكثير من عشاق الكتاب في رحلاتهم العلمية هنا وهناك بحثاً عن محبوبهم الدائم «الكتاب المطبوع منه والمخطوط»، وحقها أن ينبري لها مؤرّخ فذ يسمعها من أصحابها ويجمعها في كتاب لتكون هذه المرويات مذكراً جيداً لجيل اليوم بأهمية اقتناء هذه الكنوز الثمينة» الكتب مختلفة المشارب متعددة الفنون متباينة الاتجاهات «التي هي في الأساس عصارة فكر وتجربة حياة، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.