د.ثريا العريض
أعرف ملكنا الجديد، خادم الحرمين الملك سلمان، رجلاً عميق الثقافة متابعاً بشغف وقصد لكل ما استجد على خارطة المنطقة تاريخياً وجغرافياً. وأنه رجل تمرس بالقيادة وصنع القرار وإدارة منطقة شاسعة مثل الرياض منذ شبابه. ولكن القيادة في مرحلة مرعبة بتصاعد نيران التطرف والغلو والإرهاب في الجوار، امتحان يتطلب تخطيطا متداخلا يعي كل المخاطر.
منذ عبرنا إلى عهده، ونحن في مجلس الشورى ،كما الشعب كله، في حالة ترقب؛ ننتظر أن نسمع منه ما يبين الوجهة القادمة في مسيرة الوطن. الآن، بعد الإصغاء إلى الكلمة التي وجهها إلينا مخاطبا فيها المواطنين والمواطنات في حضور ولي العهد وولي ولي العهد وكل كبار المسؤولين، أشعر فعلا براحة عميقة.
كلمة صادقة وواضحة من حيث عبرت عن مشاعر الملك واهتمامه بالمواطنين كلهم دون انتقائية لأي فئة أو منطقة، جاءت من وجهة نظري كخبيرة في التخطيط التنموي البعيد المدى، وثيقة منطقية مكثفة وعميقة المضامين، وركزت على النواحي الأهم في احتياجات المواطن السعودي للشعور بالإستقرار والرضى والأمن وبناء قدرته على المساهمة في بناء نفسه والوطن اقتصاديا واجتماعيا.
وجه الملك سلمان، رعاه الله، خطابه لكل الفئات وللجنسين، ووضح كيفية تحقيق العلاقات البناءة بين الدولة والمواطنين عبر الالتزام بمبدأ العدالة والمساواة والوسطية ورفض الغلو والتطرف وكل ما يسبب النفور والفرقة في المجتمع، والتوازن بين المسؤوليات والحقوق لكل فئة. وتفهمت عدم إشارته لأي تفاصيل تختص بأي فئة بما في ذلك «المرأة»، وقرأت في ذلك دليلا على أنها ستحظى بكل ما وعد به كل مواطن من العدل والمساوة وإرضاء الاحتياجات.
وسعدت جدا بتأكيده الالتزام بالاستمرار في وجهة التطور، وبتعليماته لأمراء المناطق باتباع سياسة الباب المفتوح للمواطنين والإصغاء إليهم.. ثم برفع ما يرونه من حلول إلى مقامه شخصيا، مؤكدا أنه مهتم بكل مواطن، وبأن الدولة ستطبف سياسة المحاسبة عن التقصير.
ركز على ضرورة إيجاد حلول عاجلة للإسكان، والإلتزام باستمرارية التطوير والترشيد في الخدمات التعليمية، والصحية، والقضائية، وتقوية الأجهزة الأمنية. وأهاب بالقطاع الخاص للقيام بمسؤوليته الاجتماعية وأن يكون شريكا كاملا في التدريب والتوظيف وتوطين المهارات. وشدد على الأهداف المرغوب في تحقيقها بالعمل معا كفريق، محفزا القطاع الخاص على المشاركة في بناء الوطن. وطمأن المواطنين على استمرار الالتزام بتجقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية عبر تنويع مصادر الدخل وتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتدريب والتوطين. ولاشك أن ذلك سيوقف ما نعايش من تآكل الطبقة الوسطى وتمدد الطبقة الفقيرة.
وأشار إلى كون المملكة لا تعمل في فراغ بل ضمن عضوية العالم، كدولة مسؤولة وملتزمة بالحفاظ على استقرارها، واستقرار العالم. وضح سياستها حول ما هو غير مقبول في التصرفات شرعاً وعرفاً، وما يمثل خطا أحمر لا يسمح بتجاوزه، كأمن الوطن وسيادية الدولة في شؤونها الخاصة وتطبيق قوانينها. ثم بيّن منطلق المملكة في علاقات الجوار العربي والإقليمي والعالمي من حيث دعم الاستقرار والسلام والأمن والحوار السلمي لحل الخلافات، واحترام الاتفاقيات والعهود والمبادئ الإنسانية المتفق عليها. وأكد مواصلة دعم المطالب العربية وعلى رأسها حق الفلسطينيين في دولتهم وعاصمتها القدس.
باختصار كانت كلمة تعيد الاطمئنان إلى القلوب أن كل ما يهم المواطن هو في قلب اهتمام المسؤول الأول عن استقرار الوطن.
وفق الله خادم الحرمين الشريفين إلى تحقيق مرئياته ومناه، وسدد في مسيرة التطوير والترشيد وبناء الوطن والمواطن خطاه.