أحمد بن عبدالرحمن الجبير
كان خطاباً موضوعياً، وواضحاً في معالمه وخطوطه، ليس فيه تكلف، ولا فيه وعيد ولا تهديد، ويعكس حالة الخبرة القيادية للملك سلمان - حفظه الله - ويستند إلى أرضية صلبة عمادها الرئيس المواطن السعودي، ومعادلتي الأمن والتنمية، فالتركيز واضح على المقومات الداخلية، فقوة الداخل تعني حضوراً فاعلاً ومؤثراً في الخارج دائماً، ولهذا كان خطاب الملك يعبر عن حالة من الثقة التي ستنعكس إيجاباً على الوضع الداخلي، بينما تتجاوز بعض الدول ما يدور داخلها لتشتبك والعالم الخارجي، خوفاً من الداخل، وهروباً من استحقاقات التنمية والأمن والرفاة لمواطنيها.
الخطاب جعَلَنا نشعر بالفخر والاعتزاز والملك سلمان يتحدث عن الأمن والتنمية المستدامة ووضع الخطط والبرامج اللازمة، والدعامة للاقتصاد الوطني وتنمية الموارد البشرية، وبذل المزيد من الجهود للاستمرار في الصرف على مشاريع التعليم والصحة والإسكان والنقل، والاستمرار في الإنفاق عليها، وهو خطاب تتجلى حقائقه على أرض الواقع لدعم رفاهية المواطن، عبر الموازنات الضخمة التي تم إقرارها هذا العام وفي الأعوام السابقة، في وقت تبذر بعض الدول أموالها وتهدر ثروات شعوبها على دعم الإرهاب والتطرف.
خطاب الملك سلمان ببعديه الداخلي والخارجي كان رائعا ووافيا بشموليته وموضوعاته، ولعل عنصري الأمن والتنمية والرقابة والمحاسبة هما الركيزة الأساسية للخطاب والذي وجهه للأمة في الأيام الماضية، وهو الخطاب الذي ركز على أهمية العوامل الاقتصادية في تعزيز الأمن الداخلي والخارجي، وأيضاً دور المملكة المساهم في تعزيز استقرار الاقتصاد العالمي، في ظل أزمة نفطية يشهدها العالم، إضافة إلى أزمات تتعلق بأمن الدول في المنطقة، والدور الكبير الذي تبذله المملكة لتعزيز الاستقرار والأمن، في حين تهدر بعض الدول ثرواتها وتقتل أبناءها في بلدان الصراع والنزاع هرباً من مواجهة مسؤولياتها الداخلية.
لم يترك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان قضية مهمة من قضايا الساعة المطروحة محلياً وخليجياً وعربياً وعالمياً إلا وتناولها، إلا أن الخطاب كان جل تركيزه على الأمن الاقتصادي والسياسي للمملكة، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تهم شباب وشابات الوطن، والقضايا التي تشمل جميع الجوانب التنموية والاقتصادية، وذلك من خلال النتائج التي تحققت، والتطلعات المستقبلية التي تعكسها ثقة المواطنين في قدرة اقتصادنا الوطني على مواجهة التحديات، عبر المجلس السياسي والأمني، ومجلس التنمية والاقتصاد.
الخطاب الملكي يعد بمضامينه برنامج عمل محكماً جديراً بالدراسة، والمتابعة والتنفيذ، تحدث فيه الملك سلمان - أمد الله في عمره - بما يثلج الصدر، وعبر فيه عن مرحلة مقبلة من التحديات وضرورة استكمال ما تم البدء فيه، والاستمرار في تكريس الجهود المبذولة نحو الاقتصاد والتنمية المستدامة للوطن والمواطن، والتركيز على الأمن الوطني والتنمية الاقتصادية. ولا شك أن الخطاب يحدد مواقف المملكة حيال القضايا الداخلية والإقليمية، والعالمية، والتصدي لكل الظروف الاقتصادية الطارئة، والأزمات غير المحسوبة كما أنه يعد دليلاً آخر على مدى صلابة المملكة، ووقوفها في وجه تلك التحديات والأزمات، ويؤكد أن الملك سلمان حريص على تحقيق العدالة للجميع، وخاصة حقوق المواطن السعودي بما يعزز إحقاق الحق وإنصاف المظلوم ومحاسبة المسيء.
لقد عبر الملك سلمان عن عدم تأثر المملكة من تراجع أسعار النفط, الذي أصاب بعض الدول المنتجة, ولكنه أكد أن السعودية مستمرة في مسارها التنموي وتنويع مصادر الدخل والاقتصاد الوطني، ودعم المشاريع التنموية، وتعزيز مكانتها بين دول المنطقة والعالم، والعمل على تقريب وجهات النظر ين دول الخليج، والدول والعربية والدول الأخرى، والسعي إلى التعاون مع الدول الصديقة لتوفير أسعار النفط المناسبة، والبيئة الآمنة للاقتصاد العالمي المستقر والأمن، ومواجهة الإرهاب والتحديات كافة التي تمر بها المنطقة والعالم.
ويعد الخطاب الملكي رؤية مستقبلية لفعاليات الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة، ومن أهم الخطابات الوطنية لأهمية أهدافه، ومضامينه وانعكاساته على مستقبل البلاد، لأنه يشكل مشروعاً وطنياً متكاملاً داخلياً وخارجياً، وعليه يفترض أن يكون الجميع على مستوى الطموحات للاستفادة من الخطوط الرئيسة للخطاب الملكي، وآلياته وتوصياته، وأن تشتمل المرحلة المقبلة على طرح العديد من الأفكار، والمبادرات والدراسات، والبحوث المفيدة للوطن والمواطن من خلال برنامج عمل وطني مشرف، لتجسيد الأمن والتنمية المستدامة لخدمة الوطن والمواطن.