بدأتُ القراءة في سن مبكرة ولم تكن قراءة مرتبة أومقننة بل كانت قراءة عشوائية وكل شيء يستهويني لقرأته أيا كان سواء روايات ومن أشهرها روايات [عبير] أو صحف أو مجلات – دورية أو فنية من المشهورة في تلك الفترة عندنا في السعودية والتي كانت عالية التوزيع في ذلك الوقت مثل مجلة النهضة واليقظة و المجالس الكويتية وأيضا مجلة اليمامة والجيل والرياضة والشباب. أعتقد بأنها قطرية إن لم تكن إماراتية – وهي رياضية وثقافية محببة لدى فئة كبيرة من الشباب والفتيات على حدا سواء في فترة الثمانينات [الميلادية] لما تحتويه من مواضيع متنوعة وخفيفة وقد اشتهرت بإجراء اللقاءات مع أشهر النجوم في الخليج والعالم العربي في مجال الرياضة. وكذلك مجلة فنون اللبنانية الأسبوعية كنت أحرص على اقتناء نسختي قبل نفادها من بقالة العم [مسعود رحمه الله ] التي في حارتنا وهي البقالة الوحيدة التي تبيع المجلات والجرائد. كان يشتريها لي أخي لأننا لم نكن نعرف طريقة الاشتراك أنا وأخي إلا في ما بعد. والحقيقة أن كل هذه الوسائل الإعلامية المقروءة التي ذكرتها كانت في أوج عصرها الذهبي و الإقبال عليها كبير جدا لأنها تشكل رافد معرفي للخبر والمعلومة [ بالإضافة للإذاعة والتلفزيون الأرضي] لعدم وجود الفضائيات والبث المباشر ووسائل التواصل الاجتماعي . مثل ما هو موجود في وقتنا الحاضر وما نعيشه من ثورة إعلامية رهيبة وكبيرة على مختلف الأصعدة بحيث تصلك الآن المعلومة والخبر وفي الثانية وبسرعة الصوت ! وأيضا يمكن لك أن تبثها بنفس السرعة !! . ذكرت أن تجربتي بالقراءة في البداية لم تكن مرتبة وكل شيء يقع بيدي أقرؤه وبنهم حتى وإن كُنت لا أعرف ولا أفهم ما أقرى ! في بعض الأحيان ولكن شغفي بالقراءة جعلني و في بداية اقتنائي للكُتب أحاول التغلب على تلك الصعوبة في استيعابي للمعلومة أو المغزى من تأليف ذلك الكتاب وما هي المعاني التي وراء السطور . وكنت في كثير من الأحيان أستعين بعد الله بمن هم أعرف مني علما أو أكبر مني سنا ويحيطون علما ولو بالقليل بهذا العالم الجميل [القراءة ] والذي قدر الله لي دخوله في سن مبكرة وقذف الله حُبهُ في قلبي وأسأله عز وجل أن يرزق كُل من قرأ أو سمع هذه التجربة، إنه بهذا الحُب الذي يحلق بك إلى فضاءٌ رحب من المعرفة وشتى فنون الحياة. أن القراءة والله نعمة كبرى على رؤوس العلماء لا يعرفها إلا الجهلاء. بعد ذلك تجاوزت سن الخامس عشر وأصحت القراءة لدي مُنظمة إلى حد ما بدأتُ بقراءة كُتب مصطفى لطفي المنفلوطي العبرات والنظرات وماجدولين ووحي القلم - لمصطفى الرافعي - والقصص البوليسية لأجاثاكرستي وما اشتهرت به من مغامرات بوليسية وحيلة وذكاء رجل الشرطة و المُفتش البلجيكي وما تنتهي عليه تلك القصص بشكل مشوق. والحقيقة أن قصص كرستي جذابه لحُب القراءة عند الناشئة والمُبتدئين . ومن أشهر الكتب التي أستهوتني إلى حد كبير في بداية شغفي بالقراءة وهو معروف لدى الكثير والذي من وجهة نظري أعتبرهُ [المعلم الأول] لكُل كاتب أو أديب أو قاص وحتى لأي شاعر ولا أبالغ في ذلك وهو كتاب جواهر الأدب لأحمد الهاشمي هذا الكتاب الذي حظيا بشهرةٌ واسعة خلال حقبة زمنية طويلة ولا زال وهو من كُتب التراث - أهداني هذا الكتاب أحد أقاربي وهو ابن عمي وزوج شقيقتي - فكان أجمل وأغلى هدية فجزاه الله عني خير الجزاء. وقد تعلمتُ منهُ الكثير في مُختلف الآداب والفنون وقد قرأتهُ أكثر من مرة وخاصة باب [ كتابة رسائل الشوق ] والرسائل الأدبية حتى أنني أُعدتُ كتابتها بخط يدي لم تتميز به من مشاعر رقيقة وأدب جميل أخاذ. وأيضا أتذكر قصة المرأة حافظة القرآن والتي لا تتكلم ولا تجاوب من سألها إلا بآيات من القران الكريم كما ورد ذكرها المؤلف الهاشمي في كتابه جواهر الأدب مع كثيرا من القصص التي ذكرت عبر التاريخ .والتي بها عبرة أو موعظة أو طرفة. والحقيقة أنني كنت أقضي أغلب الوقت في القراءة يصل إلى ساعات طويلة لا أحس ولا أشعر بها مع هذه الرياضة والشعراء أتنقل معهم من بستان لآخر كل فن بطرف وأقطف من كل بستان وردة ومن كل بحر قطرة. وكما هو معلوم لدى الكثير أن القراءة التي ترسخ في ذهن الإنسان لفترة طويلة وتسترجعها الذاكرة بين الحين والآخر هي التي تشكلت وتبلورت لديه في مرحلة الطفولة المبكرة ومرحلة الصبا قبل ازدحام الذهن والوقت بأشغال الحياة لذا لابد من الحرص على تعليم أطفالنا منذ الصغر حب القراءة والمعرفة و التشجيع على ذلك ويقع على الأسرة دور كبير والمربين والمؤسسات التعليمية والتربوية لأن القراءة من وجهت نظري تعتبر قضية وليست مجرد هوايه او تسلية فمن خلالها تبنا الحضارات وتسعد البشرية فالقراءة هي الطريق الموصل إلى المعرفة والتقدم ونحن كمسلمين يحثنا ديننا الإسلامي عليها ويبن لنا مدى اهميتها كيف لا وهي أول آية نزل بها جبريل عليه السلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعلى [اقرأ] سورة العلق. وكما ذكرت لكم بدأت تتشكل لدي القراءة والميول يتضح ذلك من خلال اقتناء الكتب الأدبية وكتب المذكرات والرحلات والسير ومن أشهرها سيرة بني هلال والدواوين الشعرية. وثم بعد ذلك مؤلفات الأديب علي الطنطاوي. ومن أقدم ما قرأت كتاب ( أنا ) لعباس محمود العقاد وكتاب في صالون العقاد لأنيس منصور وهو يعتبر تلميذ للعقاد . أيضا لعدة من المؤلفين السعوديين مثل علامة الجزيرة حمد الجاسر وابن خميس رحمهم الله. والأستاذ عبدالفتاح أبو مدين الكاتب والصحفي المعروف ورئيس نادي جدة الأدبي وقد أعجبني كثيرا كتابة أمواج وأمشاج وقصة كفاحه الطويلة التي تخللتها رحلته الصحفية حيث تأثرت بها كثيرا وولدت لدي قناعة أكيدة بأن الإنسان لا ييأس مهما كانت الظروف صعبة وكما قيل لن تنال المجد حتى تلعق الصبر ولأنها كشفت ميولي الصحفية ففي هذه الفترة بدأت أراسل صحيفة المسائية والجزيرة والرياض وبعض الصحف الكويتية بمواضيع وأخبار بعض منها كتب له النشر والبعض الآخر لا أعرف مصيرها حتى الآن! ومن الأشياء الطريفة التي لا أنساها أنه عندما نشر لي موضوع لأول مره بصحيفة الجزيرة كدت أن أطير من الفرح وكان يخيل لي بأنني إذا مشيت بالشارع أو قابلت الصديقات سوف يشار إلي بالبنان ككاتبة وصحفية مشهورة. وكان ذلك المقال عن وجوب إعطاء سباق الخيل حقه من الاهتمام كباقي ألعاب الرياضة الأخرى وأن يخصص لها برنامج ومجله تلفزيونية أسبوعية بالتلفزيون السعودي. وأعتقد أنني أول من كتب في هذا الموضوع. وكان وكيل وزير الإعلام في ذلك الوقت الأستاذ محمد حيدر مشيخ والمقال موجه لسعادته. كانت فرحة أسرتي بنشر هذا المقال كبيرة وبهذه البداية وإن كان البعض من أفراد المجتمع والأسر لا يؤيد عمل المرأة في الصحافة والبعض الآخر يؤيد ولكن بشرط الكتابة تحت اسم مستعار خاصة لدينا في منطقة نجد غير مرحب بهذا العمل في ذلك الوقت وكان كثير من المبدعات والصحفيات والشاعرات وبعض من الزميلات يكتبن وينثرن إبداعهن من وراء حجاب (تحت أسماء مستعارة) إلا في ما ندر وليس كما عليه الحال في وقتنا الحاضر ولله الحمد. بعكس منطقة الحجاز كان هناك بعض من المرونة و تشجيع للفتاة بدخولها عالم الإعلام من خلال الصحافة والاذاعة ولا تجد أي معارضة تذكر وقد برز منهن الكثير في تلك الفترة. إذا القراءة ثم القراءة هي الطريق الذي يصل بك إلى المعرفة وتنير العقل وتوسع المدارك وتساعد على اكتشاالموهبة. وهي التي كما قال العقاد تضيف إلى عمرك عمر آخر.
طفلة سالم النفيعي - كاتبة وصحفية