كوثر الأربش
تشهد الرياض هذه الأيام من شهر مارس - ككل عام - احتفالية ثقافية ضخمة متمثلة في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي يضم 915 دار نشر من 29 دولة تقريباً. ويدشن معرض هذا العام تحت عنوان «الكتاب.. تعايش». ومما يوحيه لي هذا الشعار أن الكتاب بوابة مباشرة للتكيّف مع الواقع من حولنا، التكيّف الذي يعتبره فرانكل أهم أسباب استمرار الكائن. لأن التكيّف يخلق التوازن ويحفظ الحياة. وكلما ازدادت معرفة الإنسان ارتفع معدل بقائه، ذاك البقاء النوعي والمحتفي بالصحة والعافية والسعادة. والكتاب هو سفير المعرفة وجسرها الأقصر. لذاك حري بشعارنا لهذا العام « الكتاب.. تعايش» أن يحقق هذا الشعار في عدة مصاديق بحيث يستوعبها الزائر ويتحمّل مسؤولية تحقيقها، يده بيد المسؤولين عن إقامة المعرض. الشعارات تصبح مجردة من المعنى إذا لم يتم استيعابها والسعي لتحقيقها واقعاً. وإلا استحالت لتنويمة نعلل بها الغد الشغوف بالتقدم والارتقاء. ما نتوقعه من معرض للكتاب والصورة الافتراضية التي نأملها هو أن يكون مهرجاناً حقيقياً للكتاب يحتفي بالقراءة التي من شأنها أن تنقل الشعوب لمرحلة متقدمة من التحضر والرقي. أن يكون مناسبة لإبراز أهمية الكتاب في تنوير العقول ورفع منسوب الوعي الجمعي والفردي أيضاً. ولا أنسى أن أنوّه أن ثمة علاقة طردية بين الوعي وتنوّع مشارب المعرفة، فمن يستغرق في النظر لزاوية واحدة سيصبح بلا شك جاهلاً في الزوايا الأخرى. ولن يكتشف قيمة التعدد الفكري وأحقية الآخر في الوجود، واحترم حقه الطبيعي بالتعبير عن نفسه بناءً على خياراته الشخصية. وهنا أصبح السؤال الصعب هو: هل حقاً حقق معرض الكتاب شعاره؟ أم أنه نجح في رفع الشعار وأخفق في تحقيقه؟ وهل المسؤولية كلها يحمل أعباءها مسؤولو تنظيمه أم هناك مسؤولية يتحمّلها الزائر؟ هل افتقد الهدف لآليات تحقيقه وتحول المعرض لمناسبة للازدحام والفوضى؟ هل أصبح مكاناً خصباً للمحتسبين ومنسوبي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للقبض على الشباب المجترح للأخطاء التي تستدعي القبض عليهم؟ وأريد أن أتوقف قليلاً هنا لطرح سؤال شبيه بسؤال: من الذي أتى أولاً البيضة أم الدجاجة؟ لأقول: من الذي حول «تظاهرة ثقافية كمعرض الكتاب من مناسبة لإثراء العقول إلى مناسبة للطيش والتحرّش من جهة وملاحقة المتحرّشين ومخالفي الضوابط من جهة أخرى؟ هل فرط الرقابة أم تجاوزات الشباب؟ ما الذي أتى أولاً؟ أترك الجواب مفتوحاًلتأمل والتفكير.