كوثر الأربش
تُفضِّل الذهنية الإقصائية أن ترى العالم باللونين: الأسود والأبيض. لأن ذلك ما يناسب سطحيتها وضيق أفقها. فليس للشخص الإقصائي هدف سامٍ أو نفس عظيمة تتعب في مرادها الأجسام. وهي كما يتضح من خطابها ودوافعها وردود أفعالها تتمحور قضيتها - إن كان لها قضية - حول الذات، ويقينية الوجود المترتبة على إلغاء الآخر تماماً أيضاً. بكل ما يحمل الإلغاء من معنى. وبعد هذا الشرح البسيط لتطلعات الإقصائي يمكننا أن نعي سبب محاولته لصبغ العالم من حوله باللونين: الأسود والأبيض. فالخطة تبدأ بالفرز ثم التصنيف ثم الإلغاء! فكم سيكون التصنيف سهلاً حينما تقل الخانات!
شهدنا مؤخراً حرباً باردة وأبسط ما يمكنني وصفها بالطفولية بين هؤلاء الإقصائيين، أعني بعد تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم. فكل فريق يرى نفسه الأبيض ويحاول أن يستحوذ على الملك، وإدخاله في خيمة بياضه المزعوم. مما يترتب عليه أن الآخر أسود، وهي بالطبع في الجبهة المقابلة وسوف يكون الملك عوناً له في تحقيق أهدافه والقضاء على خصمه.
فيرد الفريق الآخر بالدلائل والشواهد والكلام المغلظ أحياناً بنفس المنطق ولكن بانزياح غيمة البياض صوب خيمته!
حتى إذا ما حل مساء الـ34 قراراً ملكياً، التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين والتي تمت فيها إعادة تشكيل الدولة ووزرائها.
أسقط في يد الفريقين! العالم ليس فِلماً «نيجيتف» كما يحلمون، والقرارات لم تسر وفق المتوقع لها. والتغييرات لم تنحز لخيمة أحد.
إن هذا الحدث الكبير يستحق أن يكون سمة عهد الملك سلمان. عهد يفرض واقعاً لا بُدَّ أن تعيه جميع العقول الإقصائية. عهد يتبدى فيه ضرورة وجود كل الألوان.
وأن القرارات الكبرى لا تنحاز «لمزاج» و«خواطر» و«افتراضات» أي إقصائي لا يرى الكون إلا باللونين: الأسود والأبيض.
إنه زمن الواقعية وحتمية اندماج جميع الألوان مكونة لوحة هذا البلد.
وكلما اتضحت التباينات كان ذلك في خدمة الوطن.