قد عرفت الشيخ/ عبدالعزيز أبوحبيب الشثري -رحمه الله-؛ وقد طلب العلم في الرياض مع الشيخ محمد بن إبراهيم وكبار العلماء في ذلك الوقت وعينه الملك عبدالعزيز -رحمه الله- قاضياً لدى أهل الرين وقت سكن الإخوان في الهجر في عام 1337هـ وقام بالقضاء والوعظ والتدريس والخطابة والإمامة وإصلاح ذات البين، ولهو قبول ومحبة عند من يعرفه وكان يفتح بابه كل صباح للزوار والطلبة وبعد الظهر وبعد العصر يدرس الطلبة في المسجد ويفتح بابه للطلبة والزوار بعد المغرب، وكان يطعم الطعام للضيوف والزوار، وفي رمضان يفطر على مائدته كثير من الناس وبالأخص الذين يقدمون من خارج البلد ليحضروا الصلاة مع الجماعة في رمضان، ويتناولون طعام السحور لديه حتى يخرج رمضان وكان لا يأكل الطعام وحده، وإذا وجده جاهز خرج للسوق لعل يجد أحد يشاركه في طعامه، وفي عام 1349هـ احتاج إلى شخص يدرس الطلاب القرآن، ومبادئ الكتابة على طريق الكتاتيب، وأرسل إلى والدي عبدالرحمن بن جبرين -رحمه الله- وهو مقيم في مزعل قرب القويعية وطلب منه ذلك، وقال له إن معاشي في السنة 400 وزن تمر من الزكاة سوف أعطيك منها 150 وزناً ولي من البر 200 صاع وسوف أعطيك منها 50 صاعاً حتى يصرف لك معاش من الملك، وسوف أراجعه بذلك، وانتقل والدي -رحمه الله- إلى الرين في عام 1350هـ.
وكان الشيخ عبدالله بن جبرين -رحمه الله- عمره سنة واحدة، وقام والدي بتدريس أولاد الرين القرآن الكريم وطلب العلم على أبوحبيب، ولما كبر الشيخ عبدالله تولى تدريس الطلاب ودرس على الشيخ أبوحبيب، وكان إذا سافر أبوحبيب يقوم والدي بإمامة الجماعة والخطابة والتدريس بعده، وإذا سافر لا يسمح لوالدي بالسفر وترك الجماعة ويستشهد بقول الشاعر:
كأني تنوين وأنت إضافة
وأين ما أحل لا تحل مكاني
وكان كثيراً ما يرافق الملك عبدالعزيز رحمه الله في غزواته، وفي عام 1373هـ انتقل إلى الرياض وعين معلماً في معهد إمام الدعوة وانضم إلى كبار العلماء وانتقل معه الشيخ عبدالله بن جبرين -رحمه الله- وواصل دراسته عليه وعلى كبار المشايخ، وفي الرياض فتح بابه للزوار والضيوف وطالبي التوصيات والشفاعات، كان يعد مائدة للزوار ومائدة للعمال الذين ليس لهم أهل في الرياض، وقد درسني في معهد إمام الدعوة من ضمن الطلبة، وكان يحثنا على مواصلة الدراسة والجد والاجتهاد في طلب العلم، وأن طلب العلم يحتاج إلى جد واجتهاد وصبر ويذكر قول الشاعر:
صبرت على الأيام حتى تولت
وألزمت نفسي حتى استمرت
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى
فإن أطعمت طاقت وإلا تسلت
وقول الشاعر الآخر:
والنفس كالطفل إن تتركه شب على
حب الرضاعة وإن تفطمه وينفطم
ويذكر أن النفس على ما عودها صاحبها فإن أعطاها نوم الليل كامل ونوم أول النهار ونوم القيلولة تعودت عليه وإن قصرها على جزء من الليل تعودت عليه لأنها في أول الأمر تحتاج إلى جهاد وتعويد ثم يكون ذلك عادة لها ويذكر أن أحد الصالحين يقول جاهدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة وتلذذت بعشرين سنة، وإذا علم أن أحد الطلبة ترك الدراسة وذهب إلى الوظيفة لامه على ذلك واستشهد بقول الشاعر:
يقضي على المرء في أيام محنته
حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
ويقول أن الجهل داء ويستشهد بقول الشاعر:
ما يبلغ الأعداء من جاهل
ما يبلغ الجاهل من نفسه
وكان يقوم بالوعظ والإرشاد في المحافظات والقرى والمساجد وينصح ولاة الأمر وله محبة وقبول لديهم، وله نصائح وأوراد مطبوعة، وقد أرسله الملك سعود -رحمه الله- مع بعض المشايخ عام 1380هـ إلى شمال المملكة ليقوم بإرشاد البوادي هنالك وكان من ضمن مرافقيه الشيخ ابن جبرين -رحمه الله-، وقد سجل رحلتهم هذه ونشرها الدكتور محمد بن ناصر الشثري، حفيد الشيخ أبوحبيب وسماها العذب الزلال في رحلة الشمال، وقد كتب عن سيرته وحياته حفيده الدكتور محمد بن ناصر الشثري رسالة نال عليها الماجستير، كان يذكر لنا في دروسه في المعهد أن عيسى عليه السلام يقول: (يا معشر الشباب لا تأكلوا كثير فتناموا كثير فتحرموا كثير).. وإنه ورد في الإسرائيليات أن عيسى عليه السلام رأى إبليس يوماً فسأله هل قدرت عليّ مرة من المرات قال لا قال هل تنوي أن تقدر عليّ، قال آمل إنك إذا شبعت أقدر عليك، قال عيسى لله عليّ أن لا أشبع قال إبليس لله عليّ أن لا أنصح من أحد من بني آدم، وكان يحب التواضع والبساطة ويشرح لنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطن... إلخ) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم هو طبيب الأديان وطبيب الأبدان وأن هذا الحديث قاعدة في الطب والصحة، ولو سأل أهل المقابر عن مرض موتهم لأجاب أكثرهم إنه بسبب بطونهم، وما قل وكفى خير ما كثر وألهى، وإن بعض الناس يسرف في المأكل والمشرب واللباس وبعض الناس يشتري بشت قيمته أربعمائة ريال وتعادل في هذا الوقت أربعة آلاف ريال، ويمر على أناس ويسألهم صاحبه هل مر عليكم فلان عليه بشت جديد ويجيبونه إنه مر علينا ولم نعلم أن عليه بشت أم لا، وقد ذكر أحد الإخوان من أهل الرين إنهم كانوا عائدين من إحدى الغزوات مع الملك عبدالعزيز وأحدهم مطيته هزيلة وسيرها بطيء وأمامهم مورد ماء وحثوا السير ليصلوا إليه وضلوا الطريق صاحب المطية الهزيلة سار مع الطريق الصحيح ووصل قبله ولما وصولوا المورد وجدوه أمامهم، وقال الشيخ أبوحبيب أنظروا كيف وصل قبلنا مع ضعف مطيته من سارع على الطريق وصل، يعني بذلك الطريق الموصل إلى الله وإلى جنته.
وكان يهتم بأمور المسلمين ويشفع لهم لدى ولاة الأمر مثال ذلك إن عادة المناخ (الشرهة) كان من عشرين إلى خمسين ريال، وفي عام ثلاثة وثمانين ذكر للملك فيصل أن هذا المبلغ زهيد، فطلب أن يكون الحد الأدنى للشرهة لكل شخص مائة ريال وتعادل الآن ألف ريال، وسأله الملك فيصل هل يطلب لأناس معينين فأجاب الطلب عام وليس خاص، فوافق الملك فيصل على طلبه ولكنه نسي ما أبلغ المالية وبشر أبوحبيب المواطنين بذلك إلا أن الشرهة صرفت على عادتها السابقة، ولما تحقق من ذلك أبوحبيب توجه إلى الملك فيصل وقل له هل أنا كذوب أو أنت قال الملك فيصل لا أنا ولا أنت فقال لابد أحدنا كذلك، سأل عن الخبر فأخبره إني طلبت منك تكميل الشرهة وأجبتني بالموافقة وبشرت الناس بذلك وإن الشرهة صرفت على عادتها السابقة، فإما أن أكون كذبت عليهم أو أنت كذبت عليهم، وضحك الملك فيصل واعتذر إليه بالنسيان وأمر بإكمالها مائة ريال.
وقد صدر أمر بإلزام المواطنين عموماً بضرورة حصول جميع المواطنين على حفائظ النفوس، وهذا يتطلب صورة شمسية، كان في الرين بعض أئمة المساجد القدامى ورفضوا تصويرهم ولو أدى ذلك إلى فصلهم وتوجه الملك فيصل وطلب منه إعفاء الأئمة من الصورة، فأصدر الملك فيصل توجيهاً بإعفائهم من التصوير، وقد توفي رحمه الله 1387هـ في لندن، عند وفاته طلب التلفون وكلم فيصل وأوصاه بالعدل في الرعية وتحكيم الشرع، وقد رثاه والدي رحمهم الله بقصيدة شعبية ذكر فيها بعض خصاله وصفاته الحميدة، منها بناء المساجد ونشر العلم والشفاعة للمساجين وأنه ربى أبناءه على هذه الخصال وتحلوا بها بعده وساروا على طريقته بفتح أبوابهم للضيوف، وأكبرهم معالي الشيخ ناصر -شفاه الله ومد في عمره-، له قبول لدى المسؤولين في الدولة ومحبة لدى المواطنين ويبذل الشفاعات لهم، نسأل الله أن يرحم الشيخ أبوحبيب رحمة واسعة ويسكنه جنته ويبارك في ذريته ويوفقهم لما يحبه الله، وهذا قليل من كثير عن هذا العالم الفاضل، وصلى على محمد وآله وصحبه وسلم.
- محمد بن عبدالله الجبرين